باب {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}

بطاقات دعوية

باب {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}

عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة, فقال: ما بقى من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة. فقال أعرابى: إنكم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -! تخبرونا فلا ندرى؛ فما بال هؤلاء الذين يبقرون (72) بيوتنا، ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفساق، أجل؛ لم يبق منهم إلا أربعة؛ أحدهم شيخ كبير، لو شرب الماء البارد؛ لما وجد برده.

كان حُذَيفةُ بنُ اليَمانِ رضِيَ اللهُ عنه صاحبَ سِرِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شَأنِ المنافقِينَ، وكان يَعرِفُهم بأسمائِهم وأشخاصِهم؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أسرَّ إليه بِأسماءِ المنافقِينَ.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ حُذَيفةُ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه لم يَبْقَ مِنَ الَّذين نزَلَتْ فيهم هذه الآية -وهي قَولُ اللهِ تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12]- سِوى ثَلاثةٍ مِنَ المشركين، قيل: كان من هؤلاء الثَّلاثةِ أبو سُفيانَ بنُ حَربٍ، وسُهَيلُ بنُ عَمرٍو، وقد أسلَمَا رَضِيَ اللهُ عنهما، وقيل: إنَّ المرادَ بهم ثلاثةٌ آمنوا، ثم ارتدُّوا وطَعَنوا في الإسلامِ مِن ذوي الرِّئاسةِ والتقَدُّمِ في الكُفرِ. وأربعةٍ مِنَ المنافقين، وهم الذين يُظهِرون الإيمانَ ويُبطِنون الكُفرَ، ولم يُذكَرِ اسمُ أحدٍ منهم.
فقال له أعرابيٌّ -وهو الذي يسكُنُ الباديةَ-: «إنَّكم -أصحابَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- تُخبرونَنا فلا نَدْري»، أي: تُحدِّثونَنا عَن أشياءَ فلا تتَّضحُ لنا، ثُمَّ سَألَه هذا الأعرابيُّ عَنِ الَّذين يَفتحون بُيوتَهم، ويَسرِقون نَفائسَ أموالِهم؛ ما حالُهم وما شأنُهم؟
فأجابه حُذَيفةُ رضِيَ اللهُ عنه: بأنَّ أولئك الذين يفتحون البُيوتَ ويَسرِقون الأموالَ لَيْسوا مِنَ الكُفَّار ولا المنافقِينَ، وإنَّما هم الفُسَّاقُ. والفِسْقُ هو الخُروجُ عن طاعةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وأمْرِه، ولا يلزَمُ مِن كَونِه فاسِقًا أن يكونَ كافرًا أو منافقًا نفاقًا أكبرَ، فقد يكون الفاسِقُ مؤمنًا عاصيًا، فكُلُّ مُنافِقٍ فاسِقٌ، وليس العكس.
ثُمَّ عادَ حُذَيفَةُ رضِيَ اللهُ عنه وذَكَرَ الحالَ الَّذي أصْبحَ عليه أحَدُ المنافقينَ الأربعةِ الَّذين ما زالوا أحياءً إلى وقْتِه، فقال: «أحدُهم شيخٌ كَبيرٌ»، ووصَفَه حُذيفةُ بأنَّه لو شَرِبَ الماءَ الباردَ لَمَا وجَدَ برْدَه، أي: لا يُحِسُّ بِبُرودتِه؛ لذَهابِ شَهوتِه وفَسادِ ذَوقِه ومَعِدَتِه، فأصبحَ لا يُفرِّق بيْن الأشياءِ، وهذا إنما ذكره حُذَيفةُ على معنى أنَّ اللهَ استأصل شأفةَ النِّفاقِ وأظهر الحَقَّ، وأبطل الباطِلَ بحَولِه وقُوَّتِه.