باب قصاص المظالم
بطاقات دعوية
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إذا خلص المؤمنون من النار؛ حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، فيتقاصون (وفي رواية: فيقص لبعضهم من بعض 7/ 197) مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نقوا، وهذبوا؛ أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد - صلى الله عليه وسلم - بيده؛ لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل (وفي رواية: أهدى) بمنزله كان في الدنيا"
حَرَّم اللهُ تعالَى الظُّلمَ على نفْسِه، وجَعَلَه مُحرَّمًا بيْن عِبادِه، وتَوعَّدَ الظَّالِمين بالقِصاصِ منهم والعَذابِ، فإنْ أَفْلَتَ الظَّالِمُ في الدُّنيا بظُلمِه، فلا مَفَرَّ له يَومَ القِيامةِ ولا مَلْجَأَ له مِن اللهِ، حَيْثُ لا يَنفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ.
وفي هذا الحديثِ مَشْهَدٌ مِن مَشاهِدِ يومِ القِيامَةِ المَهُولةِ العَظِيمةِ، حَيثُ يُحبَسُ المؤمِنون بعْدَ أنْ يَتجاوَزوا الصِّراطَ ويُنَجِّيَهم اللهُ تعالَى بفضْلِه ورَحمتِه مِن النَّارِ، فتُوقِفُهم الملائكةُ على قَنْطَرَةٍ أو جِسْرٍ بيْن الجنَّةِ والنَّارِ، فيَقْتَصُّ المَظلومُ مِن ظالِمِه حَقَّه الَّذي اعتَدَى عليه في الدُّنيا، وهذه المُقاصَّةُ هي لقَومٍ دونَ قومٍ، وهمْ مَن لا تَستغرِقُ مَظالِمُهم جَميعَ حَسَناتِهم؛ لأنَّه لو استَغرَقَت جَميعَها لَكانوا ممَّن وَجَبَ لهم العذابُ، ولَما جازَ أنْ يُقالَ فيهم: خَلَصوا مِن النَّارِ. فمَن كانت مَظلِمتُه أكثَرَ مِن مَظلِمةِ أخيهِ، أُخِذَ مِن حَسَناتِه، فيَدْخُلون الجنَّةَ، ويَقتطِعون فيها المنازلَ على قدْرِ ما بَقيَ لكلِّ واحدٍ منْهم مِن الحَسَناتِ، فلهذا يَتقاصُّون بالحَسَناتِ بعْدَ خَلاصِهم مِن النَّارِ -واللهُ أعلَمُ-؛ لأنَّ أحدًا لا يَدخُلُ الجنَّةَ ولأحدٍ عليه تَبِعةٌ. حتَّى إذا طُهِّروا وتَخلَّصوا مِن حُقوقِ النَّاسِ أُدْخِلوا الجنَّةَ، ويُقسِمُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم أعرَفُ بمَنازِلِهم في الجنَّةِ مِن أهْلِ الدُّنيا بمَنازلِهم، وقدْ عَرَفوا مَنازِلَهم في الجنَّةِ بتَكريرِ عَرْضِها عليهم بالغَداةِ والعَشيِّ وهمْ في قُبورِهم، كما في الحديثِ المُتَّفَقِ عليه مِن حَديثِ ابنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، وفيه: «إِنَّ أحَدَكُم إذا ماتَ عُرِضَ عَليْه مَقْعَدُه بالغَداةِ والعَشِيِّ، إنْ كان مِن أهْلِ الجَنَّةِ فمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كان مِن أهْلِ النَّارِ فمِنْ أهْلِ النَّارِ، يُقالُ: هذا مَقعَدُكَ، حتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ إلَيهِ يَومَ القِيَامةِ».
وفي الحديثِ: التَّحذِيرُ مِن المَظالِمِ، والتَّأْكِيدُ على أنَّه ما مِن حَقٍّ إلَّا سَيرجِعُ لِصاحِبِه يومَ القِيامَةِ.