باب قوله: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}: 1

بطاقات دعوية

باب قوله: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}: 1

 عن أبي بكر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغار، فرأيت آثار المشركين (وفي رواية): فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم، فـ 4/ 263) قلت: يا رسول الله! لو أن أحدهم رفع قدمه؛ رآنا (وفي رواية: نظر تحت قدمه؛ لأبصرنا 4/ 190)؛ قال:
" [اسكت يا أبا بكر!] ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ".

مَنِ اعتَصمَ باللهِ تعالَى كَفاه عمَّن سِواه؛ فهو نِعمَ النَّاصرُ، ونِعمَ المُعينُ، ومَعيَّتُه تعالَى هي المَعيَّةُ الحَقيقيَّةُ، وما سِواها مَعيَّةٌ كاذِبةٌ زائفةٌ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إمامَ المُتوكِّلينَ على اللهِ تعالَى، يَعلَمُ أنَّه ناصِرٌ عبْدَه، وأنَّه معَه بنَصْرِه وقُدْرتِه وحِمايتِه في كلِّ وَقتٍ وحِينٍ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا اقتَرَبَ المُشرِكونَ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهما في غارِ ثَورٍ أثْناءَ هِجرَتِهما إلى المَدينةِ، وخَشيَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن رُؤْيتِهما لهما لقُربِهما الشَّديدِ؛ قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لو أنَّ أحَدَهم نَظَر تحْتَ قدَمَيْه لَأبْصَرَنا»، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما ظنُّكَ يا أبا بَكرٍ باثْنَينِ اللهُ ثالثُهما؟!» أي: ما تظُنُّ أنْ يكونَ حالُنا واللهُ تعالَى معَنا بنَصْرِه ولُطفهِ؟! فإنَّه قادرٌ على صَرْفِهم عنَّا، وتَبليغِنا مُرادَنا بفَضلِه ورَحمتِه، وهذا ما حصَل، فنِعمَ حُسنُ الظَّنِّ برَبِّ السَّمَواتِ ورَبِّ الأرضِ ربِّ العَرشِ العَظيمِ! وقد أشارَ القُرآنُ إلى ذلك في قولِه تعالَى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
وفي الحَديثِ: كَمالُ تَوكُّلِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على رَبِّه، واعْتِمادِه عليه، وتَفْويضِه أمْرَه إليه.
وفيه: مَنقَبةٌ ظاهِرةٌ لأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: الفِرارُ بالدِّينِ خَوفًا مِن العَدوِّ، ولا يُلْقي الإنْسانُ بيَدِه إلى العَدوِّ؛ تَوكُّلًا على اللهِ تعالَى، واستِسْلامًا له، ولو شاءَ اللهُ لَعصَمَ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، معَ كَونِه معَهم، ولكنَّها سُنَّةُ اللهِ في الأنْبياءِ وغَيرِهم، ولنْ تَجِدَ لسُنَّةِ اللهِ تَبْديلًا.