باب ما ذكر عن بني إسرائيل 7
بطاقات دعوية
عن الحسن قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، وما نسينا منذ حدثنا، وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز (56) بها يده، فما رقأ الدم حتى مات؛ قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه؛ حرمت عليه الجنة".
جَسَدُ الإنسانِ أمانةٌ أودَعَها اللهُ العبْدَ، وأوجَبَ عليه حِفظَه، وحرَّمَ عليه الاعتداءَ على جَسَدِه بأيِّ لَونٍ مِن ألوانِ الاعتداءِ، سواءٌ مِن نفْسِه أو مِن غيرِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن رجُلٍ كان فيمَن قبْلَنا مِن الأُمَمِ الماضيةِ، وكان به جُرْحٌ، فجَزِعَ، أي: لم يَصبِرْ على إصابتِه ويَئِسَ منها، فأخَذ سكِّينًا فحَزَّ بها يَدَه، يعني: قَطَعها، فنَزَفَ دَمُه ولم يَنقطِعْ إلى أنْ مات. فقال تعالَى: «بادَرَني عَبْدي بنَفْسِه، حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ»، وهذا كِنايةٌ عنِ استعجالِ الموتِ؛ لأنَّ قَتْلَ الرَّجُلِ لنفْسِه لم يُبادِرْ -أي: يُسرِعْ- بأجَلِه المُقدَّرِ له، وإنَّما أُطلِقَ عليه المُبادَرةُ؛ لوُجودِ صُورتِها، وإنَّما استحَقَّ المُعاقَبةَ؛ لأنَّ اللهَ لم يُطلِعْه على انقضاءِ أجَلِه، فاختار هو قَتْلَ نَفْسِه، فاستحَقَّ المُعاقَبةَ لعِصيانِه، وقولُه: «حرَّمْتُ عليه الجنَّةَ» ذُكِر في معناه أقوالٌ: فقِيل: إنَّه كان استحَلَّ ذلك الفعلَ فصار كافرًا، وقيل: كان كافرًا في الأصلِ وعُوقِبَ بهذه المعصيةِ زِيادةً على كُفرِه، وقيل: إنَّ المرادَ أنَّ الجنَّةَ حُرِّمَتْ عليه في وقْتٍ ما، كالوقتِ الَّذي يَدخُلُ فيه السَّابقونَ، أو الوقتِ الَّذي يُعذَّبُ فيه المُوحِّدون في النَّارِ ثمَّ يَخرُجون.
وفي الحديثِ: تَحريمُ قتْلِ النَّفْسِ، سَواءٌ أكانتْ نَفْسَ القاتلِ أمْ غيرِه.
وفيه: الوقوفُ عندَ حُقوقِ اللهِ.
وفيه: رَحمةُ اللهِ تعالَى بخَلْقِه، حيثُ حرَّم عليهم قَتْلَ نُفوسِهم، وأنَّ الأنفُسَ مِلكُ اللهِ.
وفيه: التَّحديثُ عنِ الأُمَمِ الماضيةِ.
وفيه: فَضيلةُ الصَّبرِ على البلاءِ.
وفيه: تَرْكُ التَّضجُّرِ مِن الآلامِ؛ لئلَّا يُفضيَ إلى أشَدَّ منها.
وفيه: النَّهيُ عن تَعاطِي الأسبابِ المُفضيةِ إلى قَتْلِ النَّفْسِ.