باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف

بطاقات دعوية

باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف

 عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قالَ: قامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، (وفي روايةٍ:
[- قالَ: صلَّى النبي - صلى الله عليه وسلم --يعني صلاة الخوف- بذي قَرَدٍ ]) وقامَ النّاسُ معَهُ، فكبَّرَ، وكبَّروا معَه، وركَعَ، وركَعَ ناسٌ منهُم، ثم سجدَ، وسجدُوا معَه، ثم قامَ للثانيةِ، فقامَ الذينَ سجدُوا وحرَسوا إِخوانَهم، وأتتِ الطائفةُ الأخرى فركَعوا وسجَدوا معَه، والناسُ كلهُم في صلاةٍ، ولكنْ يحرُسُ بعضُهم بعضاً.

الصَّلاةُ عِمادُ الدِّينِ، ولا يسَعُ المسلِمَ تَرْكُها في حَضَرٍ ولا سَفرٍ، ولا سِلْمٍ ولا حَربٍ، ومِنْ أهمِّيَّةِ الصَّلاةِ أنَّ الشَّرعَ المُطهَّرَ أوجَبَ أداءَها حتى في الحَربِ، ولكنْ مع التَّخفيفِ، وقد ورَدَتْ رِواياتٌ عِدَّةٌ في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخوفِ، وهي الصَّلاةُ التي تُقامُ بحَضْرةِ العَدُوِّ.
وهذا الحديثُ يُوضِّحُ إحْدى كَيفيَّاتِ صَلاةِ الخوفِ، وكيفَ صلَّاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عبَّاس رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ الَّنبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقَفَ وتَهيَّأَ لصَلاةِ الخوفِ وهو في إحْدى المعاركِ، ووقَفَ الناسُ المحاربِون كلُّهم للصَّلاةِ معه، وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه لم يُجزِّئِ الجَيشَ عندَ حُضورِ الصَّلاةِ، فَكَبَّرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَكبيرةَ الإحرامِ، فكبَّرَ كلُّ مَن حَضَر مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعندما رَكَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الرُّكوعَ الأوَّلَ ركَعَ بعضُ المصلِّينَ معَه، ولَمَّا سجَدَ سَجَدوا معه، وثَبَتَ بَعضُهُم الآخَرُ قائمًا لم يَركَعْ ولم يَسجُدْ؛ وذلك لحِراسةِ مَن رَكَع مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهكذا تَظلُّ هذه المجموعةُ قائمةً وهي في الصَّلاةِ لا تَركَعُ ولا تَسجُدُ حتَّى تَنتهيَ المجموعةُ الأُولى مِن أداءِ الرَّكعةِ الأُولى كاملةً مع الإمامِ. ثمَّ إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قامَ للرَّكعةِ الثانيةِ، فوقَف الذين أَتَمُّوا الرَّكعةَ الأُولى مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَأخَّروا إلى الخلْفِ مَكانَ الصَّفِّ الثَّاني، وأتتِ الطائفةُ الأُخرى الذين لم يَركَعوا ولم يَسْجُدوا معه في الرَّكعةِ الأُوْلى، فرَكَعُوا وسجَدُوا معه في الرَّكعةِ الثَّانيةِ، ولم يَرْكَعْ ولم يَسجُدْ مَن صلَّى معه الرَّكعةَ الأُولى، فأصْبَحَ لكلِّ مَجموعةٍ رَكعةٌ مع الإمامِ، ويكونُ الإمامُ قد أتمَّ لنفْسِه رَكعتَينِ، وهكذا يكونُ الناسُ كلُّهم في الصَّلاةِ، ولكنْ يَحرُسُ بَعضُهم بعضًا.
قيل: هذه الهَيئةُ تُصلَّى إذا كان العدُوُّ في جِهةِ القِبلةِ مِن المسلِمينَ؛ فإنَّ الإمامَ يَجعَلُ الناسَ صَفَّينِ خلْفَه، ويُصلِّي بهم على النَّحوِ المُبيَّنِ سابقًا. وقد رَوى البُخاريُّ والنَّسائيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ قدْ صلَّى هذه الصَّلاةَ عِندَ ذي قَرَدٍ، وهو مَكانٌ على مَسافةِ يَومٍ مِنَ المَدينةِ ممَّا يَلي بِلادَ غَطَفانَ، على بُعدِ ثَلاثينَ كيلومترًا تَقريبًا منها، بيْنَ المَدينةِ وخَيبَرَ.