باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
بطاقات دعوية
عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول: ما أهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا من عند المسجد. يعني مسجد ذي الحليفة
بَيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الحَجِّ والعُمرةِ وسُننَهما وآدابَهما، بالقولِ والفِعلِ، ونقَلَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم ما سَمِعوه وما رَأَوه مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما أَهَلَّ -مِن الإهلالِ، وهوَ رفْعُ الصَّوتِ بالتَّلبيةِ، وصِيغتُها: «لَبَّيكَ اللَّهمَّ لَبَّيك، لَبَّيك لا شَريكَ لك لَبَّيك، إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلكَ، لا شَريكَ لك»- إلَّا مِن عِندِ المَسجِد، أي: لم يَبدَأِ الإحرامَ والتَّلبيةَ إلَّا مِن مسجِدِ ذي الحُلَيْفةِ، وهي قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سَبْعةٌ (10 كم)، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ ومَن مَرَّ بها مِن غيرِ أهْلِها، وكان ذلك عندَ الخُروجِ لحَجَّةِ الوَداعِ.
وقد وَرَدَ في الصَّحيحَينِ عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «فلمَّا استَوَت به على البَيداءِ أهَلَّ بالحَجِّ»، وهي مَكانٌ بالقُربِ مِن ذي الحُلَيفةِ مِن جِهةِ مكَّةَ، وسُمِّيتْ بَيداءَ؛ لعدَمِ وُجودِ مَعالِمَ فيها مِن أبْنيةٍ ونحوِها.
ولعلَّ سَببَ اختلافِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم في المواضِعِ الَّتِي أهَلَّ منها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّ كُلًّا منهم أخبَرَ بما رأَى؛ فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ مِن المدينَةِ حاجًّا، فلمَّا صلَّى في مَسجدِ ذِي الحُلَيْفةِ أهَلَّ بالحَجِّ، فسَمِع ذلك منه أقْوامٌ فحَفِظُوا عنه، ثُمَّ رَكِب، فلمَّا استَقلَّت به ناقتُه أهَلَّ، وأدرَكَ ذلك منه أقوامٌ؛ لأنَّهم كانوا يَأْتُون جَماعاتٍ، فسَمِعُوه فقالوا: إنَّما أَهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِين استَقلَّت به ناقتُه، ثُمَّ مضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ أهَلَّ، وأدْرَكَ ذلك منه أقوامٌ، فقالوا: إنَّما أهَلَّ حِين عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ، فنَقَل كلٌّ مِنْهم ما سَمِع، وظَهَر بذلك أنَّ الخلافَ وقَعَ في ابتدَاءِ الإهْلالِ والإحْرامِ مِن المِيقاتِ. ويُزيلُ هذا الإشكالَ ما رواه أبو داودَ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قال: «إنَّما كان إهلالُه في مُصَلَّاه وايْمُ اللهِ، ثم أهَلَّ ثانيًا وثالثًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ».