بيع الشعير بالشعير 2
سنن النسائي
أخبرني محمد بن آدم، عن عبدة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن مسلم بن يسار، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن عبادة بن الصامت، وكان بدريا، - وكان بايع النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخاف في الله لومة لائم -، أن عبادة قام خطيبا فقال: «أيها الناس، إنكم قد أحدثتم بيوعا لا أدري ما هي، ألا إن الذهب بالذهب، وزنا بوزن تبرها وعينها، وإن الفضة بالفضة، وزنا بوزن تبرها وعينها، ولا بأس ببيع الفضة بالذهب يدا بيد، والفضة أكثرهما، ولا تصلح النسيئة ألا إن البر بالبر، والشعير بالشعير مديا بمدي، ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد، والشعير أكثرهما، ولا يصلح نسيئة، ألا وإن التمر بالتمر مديا بمدي حتى ذكر الملح مدا بمد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى»
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم خيرَ هذِه الأُمَّةِ بعد نبيِّها صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانوا يَقومون بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ بما عِندَهم مِن علمٍ بالأوامرِ والنَّواهي
وفي هذا الحَديثِ يقولُ مُسلِمُ بنُ يَسارٍ، وعبدُ اللهِ بنُ عُبيدٍ: "جمَع المنزِلُ بينَ عُبادةَ بنِ الصَّامتِ وبين مُعاويةَ"، أي: اجتَمَعا في مَنزلٍ واحدٍ، والمرادُ: في بلدةٍ واحدةٍ، لا في بَيتٍ واحدٍ، فقال عُبادةُ: "نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أنْ نَبيعَ الذَّهبَ بالذَّهبِ، والوَرِقَ بالورِقِ"، وهو: الفِضَّةُ، "والبُرَّ بالبُرِّ"، وهو: القَمحُ، "والشَّعيرَ بالشَّعيرِ، والتَّمرَ بالتَّمرِ- قال أحَدُهما، أي: مُسلِمٌ أو عبدُ اللهِ في رِوايتِه عن الآخَرِ: والمِلْحَ بالمِلحِ، ولم يَقُلِ الآخَرُ: إلَّا سَواءً بسَواءٍ، مِثلًا بمِثلٍ-"، أي: يكونُ البيعُ والشِّراءُ في الطَّعامِ الواحدِ من نفسِ الصِّنفِ بنَفْسِ الوزنِ والمقدارِ، "قال أحَدُهما"، أي: أحدُ الرَّاوِيَينِ: "مَن زادَ"، أي: زاد عن القَدْرِ في الطَّعامِ الْمَبيعِ، "أو ازداد"، أي: طلَب الزِّيادةَ في الرَّدِّ، "فقد أَرْبى"، أي: وقَع في الرِّبا، وخرَج عن كونِه بيعًا. ... "ولم يَقُلِ الآخَرُ"، أي: أحدُ الرَّاويَينِ: "وأمَرَنا أن نَبيعَ الذَّهبَ بالوَرِقِ، والوَرِقَ بالذَّهبِ، والبُرَّ بالشَّعيرِ، والشَّعيرَ بالبُرِّ يَدًا بيَدٍ كيف شِئْنا"، أي: إنِ اختَلَفَت الأصنافُ كان ذلك بيعًا، ولا بأسَ به، وإنِ اختلفَتِ المقاديرُ والأوزانُ بين الصِّنفَين. قالا: "فبَلَغ هذا الحَديثُ مُعاويةَ"، أي: أُخبِر َمعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ رضِيَ اللهُ عنهما بما يَرْوي عُبادةُ رَضِي اللهُ عَنهما، "فقام"، أي: يَخطُبُ في النَّاسِ، "فقال: ما بالُ رجالٍ يُحدِّثون أحاديثَ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد صَحِبْناه، ولم نَسمَعْه منه"، أي: يُنكِرُ ما يُحدِّثُ به عُبادةُ، "فبلَغ ذلك عُبادةَ بنَ الصَّامتِ"، أي: ما قاله معاويةُ رَضِي اللهُ عَنهما؛ "فقام"، يتَكلَّمُ في النَّاسِ، "فأعاد الحديثَ"، أي: الَّذي ذكَره عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقال: لَنُحدِّثنَّ بما سَمِعناه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وإنْ رغِمَ مُعاويةُ"، أي: وإنْ لم يَقبَلْ به معاويةُ، أو لم يَعرِفِ الأحكامَ الَّتي جاءت بالحديثِ
وفي الحديثِ: الحثُّ على تبليغِ السُّننِ، ونَشرِ العِلمِ، وإنْ كَرِهَه مَن كَرِهَه
وفيه: القولُ بالحَقِّ متى عَلِمَه، وإنْ كان المقولُ له كبيرًا أو أميرًا