تفسير المسكين 2
سنن النسائي
أخبرنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان» قالوا: فما المسكين يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يجد غنى، ولا يعلم الناس حاجته، فيتصدق عليه»
المالُ مِن فِتَنِ الحياةِ الدُّنيا التي يَنبغي لِلْمُؤمنِ أنْ يَصُونَ نفْسَه عن الحِرصِ عليه، ويَحترِزَ مِن أنْ يَتطلَّعَ إلى ما في أيْدي الناسِ، ويَتعفَّفَ عن المسألةِ ما استطاعَ إلى ذلك سَبيلًاد
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المسكينَ المُستحِقَّ للصَّدقةِ والزَّكاةِ ليس هو مَن يَسأَلُ الناسَ ويَرُدُّه ويَكفِيه ما يَنالُه مِن اللُّقمةِ أو اللُّقمتَينِ؛ وذلك لأنَّه قادِرٌ على تَحصيلِ قُوتِه، كما ذَكَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ في شَأنِ أصحابِ السَّفينةِ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79]، فسَمَّاهم اللهُ مَساكينَ مع امتِلاكِهِم للسَّفينةِ. والنَّفيُ في قولِه: «ليس المسكينُ» لا يعْني نفْيَ أصْلِ المَسكنةِ عن الطَّوافِ، وإنَّما معْناه نفْيُ كَمالِها. وإنَّما المسكينُ الكامِلُ المَسكنةِ هو مَن لا يَجِدُ ما يَكْفي حاجتَه بأكمَلِها؛ فقدْ يكونُ عندَه مالٌ ولكنَّه لا يَكفِيه، ويَتعفَّفُ عن المَسألةِ، ويَمنَعُه الحياءُ أنْ يُخبِرَ النَّاسَ بحالِه، ولا يَسأَلُ النَّاسَ إلْحافًا، والإلحافُ في المَسألةِ هو اللَّجاجُ والإلحاحُ فيها، والنَّفيُ في قولِه: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] لِنفْيِ المسألةِ، أي: لا يَسأَلون أصْلًا، فهمْ لا يَطوفون على الناسِ ولا يَسأَلونهم، ولا يَفطُنُ أحدٌ لحالِهِم، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ المرادُ: لو سَأَلوا لم يَسأَلوا بإلحافٍ
وفي الحديثِ: الحثُّ على الاستِعفافِ عن المَسألةِ
وفيه: حُسنُ الإرشادِ لمَوضِعِ الصَّدقةِ
وفيه: تَحرِّي وَضْعِ الصَّدقةِ فيمَن صِفتُه التَّعفُّفُ دونَ الإلحاحِ