حديث أسيد بن حضير 2
مستند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده علقمة، عن عائشة قالت: قدمنا من حج أو عمرة، فتلقينا بذي الحليفة وكان غلمان من الأنصار تلقوا أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير، فنعوا له امرأته، فتقنع وجعل يبكي، قالت: فقلت له: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولك من السابقة والقدم، ما لك تبكي على امرأة. فكشف عن رأسه وقال: صدقت لعمري، حقي أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال: قالت: قلت له: ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ» قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم "
كان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه رجُلًا مُلهَمًا، ذا فِراسَةٍ حادَّةٍ، وبَصيرةٍ مُتوقِّدةٍ، وكان ربَّما نطَقَ ببعضِ القُرآنِ قبلَ أنْ يَنزِلَ به جِبْريلُ، وأحْيانًا أُخرى كان الوَحيُ يَنزِلُ فيُؤيِّدُ رَأيَه مِن فوقِ سَبعِ سَمَواتٍ
وفي هذا الحديثِ يقولُ غُضَيفُ بنُ الحارِثِ -رَجلٌ من أَيْلةَ- وهي مَدينةٌ من بلادِ الشامِ على ساحلِ البَحرِ: "مرَرْتُ بعُمَرَ بنِ الخطَّابِ، فقال: نِعمَ الغُلامُ" فمَدَحَه عُمَرُ بأنَّه فَتًى جَيدٌ مَحمودٌ، وغُضَيفٌ مُختلَفٌ في صُحبتِه؛ فقيل هو من صِغارِ الصَّحابةِ، وقيل: هو تابعيٌّ ثِقةٌ، قال: "فاتَّبَعَني رَجُلٌ ممَّن كان عندَه، فقال: يا ابنَ أخي، ادعُ اللهَ لي بخَيرٍ" طلَبَ هذا الرجُلُ من غُضَيفٍ الدعاءَ له؛ وذلك لِمَا رَأى من ثَناءِ عُمَرَ عليه، قال غُضَيفٌ: "قلْتُ: ومَن أنتَ رحِمَكَ اللهُ؟ قال: أنا أبو ذَرٍّ، صاحبُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقلْتُ: غفَرَ اللهُ لكَ"! دُعاءٌ لأبي ذَرٍّ أنْ يَمحوَ اللهُ ذُنوبَه، وهي خارجةٌ مَخرَجَ التعجُّبِ لا الدُّعاءِ؛ لكونِه صَحابيًّا ومثلُه يُطلَبُ الدُّعاءُ منه؛ فـ"أنتَ أحقُّ أنْ تَدعوَ لي منِّي لكَ"، ولعلَّه هنا يَقصِدُ به استِنْقاصَ نَفْسِه أنْ يَدعوَ لرَجُلٍ من أصْحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّهم أقرَبُ الناسِ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَوْلاهم بالهِدايةِ والتوْفيقِ، فقال أبو ذَرٍّ رضِيَ اللهُ عنه: "يا ابنَ أخي، إنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ حِينَ مَرَرْتُ به آنِفًا" ومَقصِدُه: عندَما كنتَ عندَه قريبًا، "يقولُ: نِعمَ الغُلامُ، وسَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللهَ وضَعَ الحقَّ على لِسانِ عُمَرَ يقولُ به"؛ فاللهَ سدَّدَ عُمَرَ ووَفَّقَه وأَجْرى الحقَّ على لِسانِه وثبَّتَه في قلبِه، فبه يَنطِقُ به لِسانُه، وأنْ يَشهَدَ لكَ عُمَرُ بما هو حَسَنٌ لَهوَ مَنقَبةٌ في حقِّ صاحِبِها، وما فعَلَه أبو ذَرٍّ رضِيَ اللهُ عنه إنَّما هو من بابِ التواضُعِ الذي عُرِفَ به أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحديثِ: بيانُ مَنقَبةٍ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه
وفيه: مَنقبَةٌ أيضًا لأبي ذَرٍّ، ولغُضَيفِ بنِ الحارثِ رضِيَ اللهُ عنهما
وفيه: تَلمُّسُ الدُّعاءِ ممَّن يُظَنُّ به الصلاحُ والتَّقْوى