حديث البراء بن عازب 145
مستند احمد
حدثنا محمد بن جعفر، وبهز، قالا: حدثنا شعبة، عن عدي، قال: بهز: حدثنا عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء، وقال بهز: عن البراء بن عازب يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ بإحدى الركعتين: بالتين والزيتون "
كان أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحرِصونَ أشَدَّ الحِرصِ على اتِّباعِ سُنَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَبحَثونَ في سُنَّتِه عمَّا يَنفَعُهم في دُنياهم وآخِرَتِهم
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ أنَّهم خَرَجوا حُجَّاجًا مع عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه في عَهدِ الخَليفةِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، وكان رَضيَ اللهُ عنه في الحَجِّ معهم؛ فلَمَّا أنْ وَقَفوا على جَبَلِ عَرَفاتٍ وهو رُكنٌ مِن أركانِ الحَجِّ- حتى إذا غابَتِ الشَّمسُ وغَرَبتْ، قال ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه: "لو أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ أفاضَ الآنَ كان قد أصابَ" يَعني: أصابَ السُّنَّةَ، والمُرادُ بالإفاضةِ: النُّزولُ مِن جَبَلِ عَرَفةَ، والتَّوَجُّهُ إلى المُزدَلِفةِ، ويَقصِدُ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ هذا الوَقتَ هو الذى كانَ يُفيضُ فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأحَبَّ أنْ يَكونَ أميرُ المُؤمِنينَ عُثمانُ مُتَيقِّظًا لِهذا، قال عَبدُ الرَّحمنِ: "فلا أدْري كَلِمةُ ابنِ مَسعودٍ كانت أسرَعَ أو إفاضةُ عُثمانَ" يَعنى أنَّ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه أفاضَ في الوَقتِ الذي تَمَنَّى ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُفيضَ فيه؛ وذلك لِحِرصِهم جَميعًا على الاقتِداءِ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في قَولِه وفِعلِه رَضيَ اللهُ عنهم، "فأوضَعَ الناسُ" أسرَعوا، وفي نُسخةٍ: "فما وَضَعَ النَّاسُ" وعليه يَكونُ المَعنى: فما أسرَعوا السَّيرَ، قال عَبدُ الرَّحمنِ: "ولم يَزِدِ ابنُ مَسعودٍ على العَنَقِ"، أي: لم يَزِدْ على السَّيرِ الذي بَينَ الإبطاءِ والسُّرعةِ، "حتى أتَيْنا جَمعًا" وسُمِّيتِ المُزدَلِفةُ بجَمعٍ؛ لِأنَّ الناسَ يَجتَمِعونَ بها، "فصَلَّى بنا ابنُ مَسعودٍ المَغرِبَ، ثم دَعا بعَشائِه، ثم تَعَشَّى، ثم قامَ فصَلَّى العِشاءَ الآخِرةَ" والمَعنى: أنَّه رَضيَ اللهُ عنه جَمَعَ بَينَ المَغرِبِ والعِشاءِ جَمعَ تأخيرٍ مع قَصرِ الصَّلاةِ الرُّباعيَّةِ لِرَكعَتَيْنِ، كما في رِوايةِ البُخاريِّ، وظاهِرُ فِعلِ ابنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه لِبَيانِ مَشروعيَّةِ الفَصلِ بَينَ الصَّلاتَيْنِ المَجموعَتَيْنِ بأكْلةِ العَشاءِ ونَحوِها، ثم نامَ ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه حتى إذا طَلَعَ أوَّلُ الفَجرِ قامَ فصَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ (الفَجرِ)، قال عَبدُ الرَّحمنِ: "فقُلتُ له: ما كُنتَ تُصَلِّي الصَّلاةَ هذه الساعةَ؟ -قال: وكان يُسفِرُ بالصَّلاةِ-" أيْ أنَّ ابنَ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه كان مِن عادَتِه أنَّه يُصَلِّي الصُّبحَ وَقتَ الإسفارِ، وهو وَقتُ وُضوحِ النَّهارِ، فتَعَجَّبَ التابِعيُّ مِن تَغييرِ ابنِ مَسعودٍ لِعادَتِه تلك، مُستَفسِرًا منه عن سَبَبِ تَبكيرِه بالصَّلاةِ في أوَّلِ وَقتِها، فبَيَّنَ ابنُ مَسعودٍ أنَّ فِعلَه هذا -وهو التَّغليسُ بصَلاةِ الصُّبحِ يَومَ النَّحرِ- إنَّما هو مِنَ الاتِّباعِ لِفِعلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا اليَومِ