حديث الجارود العبدي1
مسند احمد
حدثنا إسماعيل، أخبرنا سعيد الجريري، عن أبي العلاء بن الشخير، عن مطرف، قال: حديثان بلغاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرفت أني قد صدقتهما، لا أدري أيهما قبل صاحبه؟ حدثنا أبو مسلم الجذمي، جذيمة عبد القيس، حدثنا الجارود، قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وفي الظهر قلة، إذ تذاكر القوم الظهر، فقلت: يا رسول الله، قد علمت ما يكفينا من الظهر، فقال: " وما يكفينا؟ " قلت: ذود نأتي عليهن في جرف فنستمتع بظهورهم، قال: " لا، ضالة المسلم حرق النار، فلا تقربنها، ضالة المسلم حرق النار، فلا تقربنها، ضالة المسلم حرق النار، فلا تقربنها "، وقال في اللقطة: " الضالة تجدها فانشدنها، ولا تكتم، ولا تغيب، فإن عرفت فأدها، وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء " (2
المُسلِمُ أخو المُسلِمِ؛ يَحفَظُ عليه مالَه وعِرضَه وسائِرَ حُقوقِه، وقد بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ المالِ الضائِعِ الذي يَجِدُه المُسلِمُ، سواءٌ كان نَقدًا، أم حَيَوانًا، أم غَيرَ ذلك. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ التابِعيُّ مُطرِّفُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ: "حَديثانِ بَلَغاني عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قد عَرَفتُ أنِّي قد صَدَّقتُهما، لا أدري أيُّهما قَبلَ صاحِبِه: حَدَّثَنا أبو مُسلِمٍ الجَذميُّ، جَذيمةُ عَبدِ القَيسِ، حَدَّثَنا الجارودُ" وهو العَبديُّ، واسمُه بِشرُ بنُ العَلاءِ، وقيل: ابنُ عُمَرَ، قَدِمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَنةَ تِسعٍ فأسلَمَ مع وَفدِ عَبدِ القَيسِ، قال: "بَينَما نحن مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعضِ أسفارِه، وفي الظَّهرِ قِلَّةٌ" والظَّهرُ هي الدَّوابُّ التي يُحمَلُ عليها ويُركَبُ، وكانت قَليلةً، "إذْ تَذاكَرَ القَومُ الظَّهرَ" وما فيها مِنَ القِلَّةِ، وهو ما يَشُقُّ على الناسِ "فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قد عَلِمتُ ما يَكفينا مِنَ الظَّهرِ"، بمَعنى: إنِّي قد عَلِمتُ أين نَجِدُ الدَّوابَّ التي تَكفينا في الحَملِ والرُّكوبِ وقَضاءِ مَصالِحِنا "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما يَكفينا؟" وهذا سُؤالٌ عنِ الدَّوابِّ التي سيأتي بها "قُلتُ: ذَودٌ" والذَّودُ مِنَ الإبِلِ ما بَينَ الثِّنتَيْنِ إلى التِّسعِ، وقيلَ: ما بَينَ الثَّلاثِ إلى العَشرِ ذَودٌ، وهي مُؤنَّثةٌ، لا واحِدَ لها مِن لَفظِها، كالنَّعَمِ، والجَمعُ أذوادٌ، "نأتي عليهِنَّ في جُرُفٍ" وجُرُفٌ مَوضِعٌ قَريبٌ مِنَ المَدينةِ، "فنَستَمتِعُ بظُهورِهم" أي: نأخُذُ النُّوقَ والجِمالَ التي نَمُرُّ عليها في الصَّحَراءِ فنَنتَفِعُ بها، ونُحمَلُ عليها ونَركَبُ، وقد كان مِن عادةِ العَرَبِ تَركُ الإبِلِ في المَراعي؛ لِتَرعى دونَ أنْ يَمَسَّها أحَدٌ بسُوءٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا" فرَفَضَ أنْ يأخذوا ما ليس لهم مِن أموالِ الناسِ، ثم قال: "ضالَّةُ المُسلِمِ" وهي الضائِعةُ مِن كُلِّ ما يُقتَنى مِنَ الحَيَوانِ وغَيرِه "حَرقُ النارِ؛ فلا تَقرَبَنَّها"، أي: فيها العَذابُ بالنارِ لِمَن أخَذَها ولم يُعَرِّفْها، أو قَصَدَ الخيانةَ فيها، وقيل: المُرادُ بالضَّالَّةِ في هذا الحَديثِ: الضائِعةُ مِنَ الإبِلِ، أوِ البَقَرِ، مِمَّا يَحمي نَفْسَه ويَقوى على الإبعادِ في طَلَبِ المَرعى والماءِ؛ فلا يُؤخَذُ ولا يُنتَفَعُ به، بل يُترَكُ حتى يأتيَ صاحِبُه ويأخُذَه، بخِلافِ الغَنَمِ والماعِزِ مِمَّا لا يَقوى على حِمايةِ نَفْسِه، ولا يَصبِرُ على الجُوعِ والعَطَشِ، ولو تُرِكتْ لَأكَلَها الذِّئبُ، فمِثلُ هذه تؤخَذُ وتُعرَّفُ حتى يأتيَ صاحِبُها.
ثم كَرَّرَ قَولَه؛ تَشديدًا في الزَّجرِ والنَّهيِ "ضالَّةُ المُسلِمِ حَرقُ النارِ؛ فلا تَقرَبَنَّها، ضالَّةُ المُسلِمِ حَرقُ النارِ؛ فلا تَقرَبَنَّها".
"وقال في اللُّقَطةِ" وهي ما يَجِدُه أحَدُهم مِن مالٍ ضائِعٍ في الطَّريقِ لا يُعرَفُ له صاحِبٌ، فقال فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الضَّالَّةُ تَجِدُها فانشُدَنَّها"، أي: أعْلِمِ الناسَ بالعُثورِ على شَيءٍ مَفقودٍ، "ولا تَكتُمْ" ولا تُخفِ أمْرَها عنِ الناسِ، ولا يَجوزُ كَتمُ اللُّقَطةِ إذا جاءَ صاحِبُها "ولا تُغَيِّبْ" لا تَستُرْها عنِ العُيونِ؛ مُبالَغةً في الكِتمانِ "فإنْ عَرَفتَ" مالِكَها "فأدِّها" إليه، "وإلَّا" بأنْ لم تَجِدْ لها مالِكًا "فمالُ اللهِ يؤتيه مَن يَشاءُ" فإنْ شِئتَ فاحفَظها فانتَفِعْ بها، كالوَديعةِ التي تؤدَّى لِصاحِبِها وَقتَ الطَّلَبِ، وإنْ شِئتَ فتَمَلَّكْها بَعدَ التَّعريفِ المُعتَبَرِ.