حديث جبير بن مطعم 15
مسند احمد
حدثنا عبد الصمد، وعفان، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: «من يكلؤنا الليلة لا نرقد عن صلاة الفجر؟» فقال بلال: أنا. فاستقبل مطلع الشمس، فضرب على آذانهم، فما أيقظهم إلا حر الشمس، فقاموا فأدوها، ثم توضئوا فأذن بلال، فصلوا الركعتين، ثم صلوا الفجر
كانَ صُلحُ الحُديْبيَةِ فَتْحًا مِن اللَّهِ لرَسولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّ نَتائِجَهُ كانَت مُثمِرةً للإسلامِ والمُسلِمينَ، كما وقَعَتْ فيه أحكامٌ مِن التَّيسيرِ على المُسلِمين
وفي هذا الحديثِ يقولُ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أقبَلْنا معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زمَنَ الحُدَيبيَةِ"، وهي اسمٌ لبِئرٍ يقَعُ بالقُربِ مِن مكَّةَ على بُعدِ حوالي 20 كم في طَريقِ جُدَّةِ القَديمِ، وكان ذلك في السَّنةِ السَّادسةِ مِن الهِجرةِ، "فذَكَروا أنَّهم نَزَلوا دَهَاسًا مِن الأرضِ- يعني: الدَّهَاسُ الرَّملُ-" يَقصِدُ أنَّهم نَزَلوا في أرضٍ مُستويةٍ، والدَّهَاسُ: ما سهُلَ في الأرضِ ولانَ ولم يَبلُغْ أنْ يكونَ رمْلًا، فقال رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَن يَكْلَؤُنا؟" أي: يَحرُسُنا ويَكونُ مُنتبِهًا بحيث لا تَفوتُ صَلاةُ الفجرِ؟ "فقال بِلالٌ: أنا"، أي: أحرُسُكم، "فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إذنْ تَنَمْ"، أي: قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: حينئذٍ تنامُ أنت يا بِلالُ، وإنَّما قال ذلك؛ لأنَّه كان ثَقيلَ النَّومِ، قال ابنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "فناموا حتَّى طلَعَتِ الشَّمسُ"، إشارةً لِفواتِ صَلاةِ الفجْرِ، "فاسْتيقَظَ ناسٌ، منهم فُلانٌ وفلانٌ، وفيهم عمَرُ"، أي: هم أوَّلُ مَنِ انْتَبَهوا واسْتَيقظوا مِن نَومِهم، قال: "فقُلْنا: اهْضِبوا- يعني: تكلَّموا-"، المُرادُ: تَنبيهُ وإيقاظُ باقي النَّائمينَ، قال: "فاسْتيقَظَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: افْعَلوا كما كُنتم تفْعَلون"، يعني: اصنَعوا في صَلاتِكم ما كُنتم تَصنَعونه كلَّ يومٍ وقْتَ أداءِ الصَّلاةِ في وقْتِها؛ مِن أذانٍ وإقامةٍ، فقال عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ: "ففَعَلْنا"، يَعني: ما أمَرَنا به النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "كذلك فافْعَلوا لمَن نام أو نسِيَ"، يعني: هذا حُكمُ مَن نامَ عن صَلاةٍ أو نَسِيَها
قال عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه: "وضلَّتْ"، أي: تاهَتْ، "ناقةُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فطلبْتُها"، أي: ذهَبَ لِيبحَثَ عنها، "فوَجَدْتُ حبْلَها قد تعلَّقَ بشَجرةٍ"، أي: مَحبوسةً عندَ تلك الشَّجرةِ، "فجِئْتُ بها إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فركِبَ مَسرورًا، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا نزَلَ عليه الوحيُ اشتَدَّ ذلك عليه، وعرَفْنا ذاك فيه"، أي: عرَفْنا أنَّه يُوحَى إليه؛ مِن شِدَّةِ التَّعبِ والعرَقِ الَّذي يَظهَرُ عليه، قال: "فتَنحَّى مُنتبِذًا خلْفَنا"، أي: أخَذَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جانبًا خلْفَ النَّاسِ، قال: "فجعَلَ يُغطِّي رأْسَه بثَوبِه ويَشتَدُّ ذلك عليه، حتَّى عرَفْنا أنَّه قد أُنزِلَ عليه"، أي: كانت تلك علاماتٌ نَعرِفُها إذا نزَلَ عليه الوحيُ، "فأتانَا، فأخْبَرَنا أنَّه قد أُنزِلَ عليه: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}، وسُمِّيَ ما وَقَعَ في الحُدَيْبِيةِ فَتْحًا; لأنَّه كان مُقدِّمةَ الفَتْحِ وأوَّلَ أسبابِه؛ وذلِك لأنَّ المُشرِكينَ اختَلَطوا بالمُسلِمينَ، فسَمِعوا كلامَهم، فتَمَكَّنَ الإسلامُ في قُلوبِهم، وأسلَمَ في ثَلاثِ سِنينَ خَلقٌ كَثيرٌ، وكَثُرَ سَوادُ الإسلامِ، وكان الصُّلحُ سببًا لِفتْحِ مكَّةَ