حديث جبير بن مطعم 35

مسند احمد

حديث جبير بن مطعم 35

حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق مكة إذ قال: «يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب، هم خيار من في الأرض» . فقال رجل من الأنصار: ولا نحن يا رسول الله؟ فسكت. قال: ولا نحن يا رسول الله؟ [ص:336] فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟ فقال في الثالثة كلمة ضعيفة: «إلا أنتم»

النَّاسُ مُتفاوِتون في الإيمانِ والتَّقوى والعمَلِ، وكذلك يَتفاوَتون في دَرَجاتِ الشَّرِّ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُنا صِفاتِ كَثيرٍ مِن أنواعِ النَّاسِ بما يَغلِبُ عليهم؛ حتَّى نكونَ على عِلمٍ بهذه الصِّفاتِ، فنَتعامَلَ مع أصحابِها بما يُلائِمُهم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ أبو مَسعودٍ عُقبةُ بنُ عمْرٍو رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشارَ بيَدِه نحْوَ اليمَنِ في جَنوبِ الجزيرةِ العربيَّةِ على ساحلِ البحْرِ الأحمَرِ، فقال: «الإيمانُ يَمَانٍ هاهنا» فهو مَنسوبٌ إلى أهلِ اليمَنِ، والمقصودُ مِ ن نِسبةِ الإيمانِ إليهم كَمالُ إيمانِهم، وقوَّةُ إيمانِهم، وإسراعُهم إلى الإيمانِ، وقيل: أراد بذلك مكَّةَ؛ لأنَّ مكَةَ مِن أرضِ اليمَنِ، وقيل: أراد بذلك مكَّةَ والمدينةَ؛ لأنَّهما مِن جِهةِ اليمينِ بالنِّسبةِ إلى الشَّامِ، ويُؤيِّدُ هذا قولُه في حَديثِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه: «الإيمانُ في أهلِ الحجازِ»، أخرَجَه مُسلمٌ، وقيل: أرادَ بذلك الأنصارَ؛ لأنَّ أصلَهم اليمَنُ، وهمْ ناصِرو الإسلامِ وداعِموه
ثمَّ أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ القسوةَ وغِلَظَ القلوب في «الفَدَّادِينَ» مِن الفَدِيدِ، وهو الصَّوتُ الشَّديد؛ فهمُ الَّذين تَعلو أصواتُهم في إبلِهم وخَيلِهم وحُروثِهم ونحْوِ ذلك، «عندَ أصولِ أذْنابِ الإبلِ»، والمقصودُ بهم سُكَّانُ الصَّحاري، ولَيسوا مِن أهَلِ الحضَرِ. وذمَّ هؤلاء لاشتغالِهِم بمُعالَجةِ ما همْ عليه من أُمورِ دُنياهم وما يُلْهِيهم عن أمورِ أُخراهم، وتكونُ منها قَساوةُ القلْبِ ونحْوُها
ومَكانُهم جِهةُ الشَّرقِ حَيث يَطلُعُ قَرْنَا الشَّيطانِ، أي: جانبَا رَأسِه؛ لأنَّه يَنتصِبُ في مُحاذاة مَطلِعِ الشَّمس، حتَّى إذا طلَعتْ كانتْ بيْن قَرنَي رَأسِه وجانبَيْه، فتَقَعُ السَّجدةُ له حِين يَسجُدُ عبَدَةُ الشَّمسِ لها، في قَبيلتَي رَبيعةَ ومُضَرَ، وهما مُنتشِرَتانِ في أرضِ الجزيرةِ العربيَّةِ والعراقِ، والمقصودُ جَميعُ المَشرقِ الأدنى والأقصى والأوسَطِ، ومِن ذلك فِتنةُ مُسَيلِمةَ وفِتنةُ المُرتدِّينَ مِن رَبيعةَ ومُضرَ وغيرِهما في الجزيرةِ العربيَّةِ، والمرادُ اختصاصُ المشرقِ بمَزيدٍ مِن تَسلُّطِ الشَّيطانِ ومِن الكفْرِ، وكان ذلك في عهْدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِين قال ذلك، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ حِين يَخرُجُ الدَّجَّالُ مِن المشرقِ ومِن عَلاماتِ قِيامِ السَّاعةِ
وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ أهلِ اليمَنِ ومَنقَبَتِهم
وفيه: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حيث ظهَرَ ما أخبَرَ به
فيه: التَّحذيرُ مِن القَسوةِ وغِلَظِ القلوبِ