حديث دكين بن سعيد الخثعمي عن النبي صلى الله عليه وسلم 2
مستند احمد
حدثنا يعلى بن عبيد، حدثنا إسماعيل، عن قيس، عن دكين بن سعيد المزني، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين راكبا وأربع مائة، نسأله الطعام، فقال لعمر: «اذهب فأعطهم» فقال: يا رسول الله، ما بقي إلا آصع من تمر، ما أرى أن يقيظني. قال: «اذهب فأعطهم» قال: سمعا وطاعة. قال: فأخرج عمر المفتاح من حجزته، ففتح الباب، فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر، فقال لنا: خذوا. فأخذ كل رجل منا ما أحب، ثم التفت، وكنت من آخر القوم، وكأنا لم نرزأ تمرة
أيَّدَ اللهُ تعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمُعجِزاتٍ وآياتٍ كَثيرةٍ تَدُلُّ على صِدقِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن ذلك بَرَكةُ تَكثيرِ الطَّعامِ القَليلِ بحَيثُ يَكفي الجَماعةَ الكَثيرةَ، ومَعَ ذلك يَظَلُّ الطَّعامُ باقيًا كما هو لَم يَنقُصْ مِنه شَيءٌ، ومِن ذلك ما جاءَ في هذا الحَديثِ؛ حَيثُ يَقولُ دُكَينُ بنُ سَعيدٍ المُزنيُّ رَضِيَ اللهُ عنه، والمُزنيُّ نِسبةً إلى مُزَينةَ، وهيَ مِن قَبائِلِ العَرَبِ: أتَينا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: قَدِموا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَعَلَّهم مِنَ الوُفودِ، ونَحنُ أربَعونَ وأربَعُمِائةٍ، أي: كان عَدَدُنا كَثيرًا، نَسألُه الطَّعامَ، أي: قَدِموا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَسألونَه أن يُزَوِّدَهم بالطَّعامِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: قُمْ فأعطِهم، أي: قُمْ يا عُمَرُ فأعطِهم مِنَ الطَّعامِ. فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِندي إلَّا ما يُقيظُني والصِّبيةَ! والقَيظُ: هو شِدَّة الحَرِّ، والمَعنى: ما يَكفيني والصِّغارَ زَمانَ شِدَّةِ الحَرِّ، قال وكيعٌ، وهو أحَدُ الرُّواةِ: القَيظُ في كَلامِ العَرَبِ أربَعةُ أشهُرٍ. والمَعنى: ليس عِندي إلَّا ما يَكفيني وأولادي مُدَّةَ أربَعةِ أشهرٍ فقَط، فكَيف أُعطيهم وهم كَثيرٌ، فرُبَّما لا يَكفي أو يَنفَدُ ما لَدَيَّ. فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُمْ فأعطِهم، أي: أمَرَه مَرَّةً أُخرى. فقال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ سَمعًا وطاعةً، أي: أسمَعُ لك وأُطيعُ؛ وذلك أنَّ عُمَرَ قد أخبَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحالِ الطَّعامِ، فلَمَّا أمَرَه مَرَّةً أُخرى بَعدَ مَعرِفتِه بالواقِعِ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَأمُرُه إلَّا بَعدَ مَعرِفةٍ تامَّةٍ بما يَكونُ. فقامَ عُمَرُ وقامَ القَومُ مَعَه فصَعِدَ بهم إلى غُرفةِ له. وهيَ التي تَكونُ عاليةً مِثلَ الدَّورِ الثَّاني، ثُمَّ أخرَجَ عُمَرُ المِفتاحَ مَن حُجزَتِه. وهيَ طَرَفُ الإزارِ إذا ثُنِيَ وعُقِد، ثُمَّ قيلَ للإزارِ حُجزةٌ، والمَعنى: أخرجَ المِفتاحَ مِن إزارِه، ففتَحَ بابَ الغُرفةِ، قال دُكَينٌ: فإذا في الغُرفةِ مِنَ التَّمرِ شَبيهٌ بالفصيلِ، وهو مِن أولادِ الإبِلِ والبَقَرِ، وهو ما فُصِلَ عنِ الرَّضاعِ، والرَّابِضِ، أي: الجالِسِ المُقيمِ. والمَعنى: أنَّ الغُرفةَ كان فيها مِنَ التَّمرِ مِثلُ الفصيلِ الجالسِ المُقيمِ، وهو كِنايةٌ عن كَثرةِ التَّمرِ في الغُرفةِ. فقال لَهم عُمَرُ: شَأنُكُم، أي: خُذوا حاجَتكُم مِنَ التَّمرِ. قال دُكَينٌ: فأخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حاجَته ما شاءَ، أي: أخَذَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ القَومِ البالِغِ عَدَدُهم أربَعينَ وأربَعَمِائةٍ ما يَكفيه مِنَ التَّمرِ. يَقولُ دُكَينٌ: ثُمَّ التَفتُّ وإنِّي لمِن آخِرِهم، أي: أنَّه كان آخِرَ واحِدٍ مِمَّن أخَذَ حاجَتَه مِنَ التَّمرِ، ثُمَّ التَفَت ناحيةَ التَّمرِ، وكَأنَّا لَم نَرزَأ مِنه تَمرةً! أي: لَم نَنقُصْ مِنَ التَّمرِ المَوجودِ في الغُرفةِ تَمرةً واحِدةً، والمَعنى: أنَّ التَّمرَ ظَلَّ كما هو لَم يَنقُصْ مَعَ أنَّهم قد أخَذوا مِنه الشَّيءَ الكَثيرَ! وذلك ببَرَكةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقيلَ: إنَّه كَرامةٌ لعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ سُؤالِ الإمامِ الطَّعامَ عِندَ الاحتياجِ إليه
وفيه مَشروعيَّةُ الاستِنابةِ في إطعامِ الطَّعامِ وما في مَعناه
وفيه مَشروعيَّةُ مُراجَعةِ الإمامِ في الأمرِ؛ إذ قد يَكونُ خَفِيَ عليه شَيءٌ
وفيه امتِثالُ الصَّحابةِ لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفيه فَضلُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه
وفيه مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ الغُرَفِ العاليةِ
وفيه بَيانُ مُعجِزةٍ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهيَ تَكثيرُ الطَّعامِ ببَرَكَتِه