حديث شداد بن أوس 4
مستند احمد
حدثنا روح، قال: حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: كان شداد بن أوس، في سفر، فنزل منزلا، فقال لغلامه: ائتنا بالسفرة نعبث بها، فأنكرت عليه، فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها غير كلمتي هذه، فلا تحفظوها علي، واحفظوا مني ما أقول لكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا كنز الناس الذهب والفضة، فاكنزوا هؤلاء الكلمات: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وأسألك حسن عبادتك، وأسألك قلبا سليما، وأسألك لسانا صادقا، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب "
خَلقَ اللهُ الإنسانَ محبًّا للدُّنيا وزينتِها من الأموالِ والأولادِ، وحَذَّرَهم من الاغتِرارِ بذلك، وأن يَكونَ حِرصُ المَرءِ على الآخِرةِ، وألَّا يَغتَرُّوا بجَمعِ النَّاسِ لحُطامِ هذه الدُّنيا من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ؛
ولهذا أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه أنَّهم إذا رَأوا النَّاسَ قد كَنَزوا الذَّهَبَ والفِضَّةَ، أي: جَمَعوها وادَّخَروها، لكَونِهما من أعظَمِ مُتَعِ الدُّنيا، فعليهم بكَنزٍ عَظيمٍ خَيرٍ من هذا الكَنزِ الذي مَعَ النَّاسِ، ألا وهي كَلِماتٌ عَظيماتٌ مُبارَكاتٌ، وأن يَدعوا اللهَ بها ويَسألوه الثَّباتَ في الأمرِ -أي: الدَّوامَ والاستِمرارَ على الدِّينِ والاستِقامةَ عليه- والعَزيمةَ على الرُّشدِ بعَقدِ القَلبِ على الصَّلاحِ والفلاحِ والصَّوابِ، وشُكرَ نِعمَتِه بأن يوفِّقَهم لشُكرِها والعَمَلِ بها، وأن يوفِّقَهم لحُسنِ عِبادَتِه: بأن يوقِعوها على الوَجهِ الحَسَنِ المَرضيِّ، ويَسألوه القَلبَ السَّليمَ: الخاليَ من العَقائِدِ الفاسِدةِ والشَّهَواتِ المُحَرَّمةِ، وأن يَسألوه اللِّسانَ الصَّادِقَ الذي يَقولُ الصِّدقَ ويَبتَعِدُ عن الكَذِب، وأن يَسألوه من خَيرِ ما يَعلمُه سُبحانَه ولا يُعلمونَه، وأن يَستَعيذوا به من شَرِّ ما يَعلمُه سُبحانَه ولا يَعلمونَه، ثمَّ خَتَمَ هذا الدُّعاءَ بأن يَستَغفِروه ممَّا يَعلمُه سُبحانَه من ذُنوبِهم وما فرَّطوا فيه؛ فإنَّه سُبحانَه علَّامُ الغُيوبِ، أي: يَعلمُ الأشياءَ الخَفيَّةَ الدَّقيقةَ
وفي الحَديثِ بَيانُ فَضلِ هذه الدَّعَواتِ المُبارَكاتِ
وفيه تَعليقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه بأمرِ الآخِرةِ، وبعَدَمِ الحِرصِ على الدُّنيا