حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت أبا زرعة، يحدث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يهلك أمتي هذا الحي [ص:382] من قريش» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «لو أن الناس اعتزلوهم» [ص:383] قال عبد الله بن أحمد: وقال أبي في مرضه مات فيه: " اضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، يعني قوله: «اسمعوا وأطيعوا واصبروا»
الواجبُ على المُسلمِ أنْ يَجتنِبَ مَواضِعَ الفِتنِ؛ لأنَّه لا أحَدَ يَأمَنُ على نفْسِه منها، والمَعصومُ مَن عَصَمَه اللهُ تعالَى، وقدْ أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه إلى ما يَجِبُ فِعْلُه في وَقتِ الفِتنِ، وحذَّرَها مِن سُوءِ عاقِبةِ الانْخِراطِ فيها
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يُهلِكُ النَّاسَ بَعضُ هذا الحَيِّ مِن قُرَيشٍ، وهمُ الأحْداثُ منهم، لا كلُّهم، بسَببِ طَلَبِهمُ المُلكَ، والحَرْبِ لأجْلِه، فيَتخبَّطُ النَّاسُ وتَضطَرِبُ أحْوالُهم، ويَهلِكونَ، فيَكونُ هؤلاء النَّاسُ مِن قُرَيشٍ سَببًا لإهْلاكِهم، والمُرادُ بالنَّاسِ الهالِكينَ أهْلُ ذلك العَصرِ الَّذي يقَعُ فيه الجَوْرُ والظُّلمُ، ومَن قارَبَهم، ولا يُقصَدُ هَلاكُ جَميعِ الأُمَّةِ إلى يومِ القيامةِ. فسَأَلَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا يَأمُرُهم به إذا حَضَروا ذلك الزَّمنَ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لو أنَّ النَّاسَ اعتَزَلوهم»؛ وذلك بألَّا يُداخِلوهم، ولا يُقاتِلوا معَهم، ويَفِرُّوا بدِينِهم منَ الفِتَنِ؛ لكان خَيرًا لهم
وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإخْبارِه عنِ بَعضِ أُمورِ الغَيبِ
وفيه: هِجْرانُ البَلدةِ الَّتي يقَعُ فيها إظْهارُ المَعْصيةِ؛ فإنَّها سَببُ وُقوعِ الفِتَنِ الَّتي يَنشَأُ عنها عُمومُ الهَلاكِ