‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 118

‌‌مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 118

حدثنا يحيى، قال: أملاه علي سفيان، إلى شعبة، قال: سمعت عمرو بن مرة، حدثني عبد الله بن الحارث المعلم، حدثني طليق بن قيس الحنفي أخو أبي صالح، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: " رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى إلي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكارا، لك ذكارا، لك رهابا، لك مطواعا، إليك مخبتا، لك أواها منيبا، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي

الدعاء والتذلل إلى الله عز وجل بكل ما يليق بذاته من مفاتيح تفريج الكروب، وفيه يظهر العبد تضرعه وانقياده لله سبحانه؛ لعلمه بأنه سبحانه هو القادر على إجابة دعائه
وفي هذا الحديث يخبر ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه:

"رب أعنيأي: أطلب منك العون، والتوفيق لطاعتك، وعبادتك على الوجه الأكمل الذي يرضيك عني, وأطلب منك العون على جميع الأمور الدينية والدنيوية والأخروية، وفي مقابلة الأعداء أمدني بمعونتك وتوفيقك
"ولا تعن علي": ولا تجعل عونك لمن يمنعني عن طاعتك من النفس الأمارة بالسوء، ومن شياطين الإنس والجن. "وانصرني"، وهذا طلب للنصرة في كل الأحوال، وقيل: معناه: انصرني على نفسي الأمارة بالسوء؛ فإنها أعدى أعدائي، كما قال سبحانه: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} [يوسف: 53]، ولا مانع من إرادة الجميع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يخصص نوعا معينا

"ولا تنصر علي"، أي: ولا تجعلني مغلوبا، فتسلط علي أحدا من خلقك, ولا تنصر النفس الأمارة بالسوء علي، فأتبع الهوى وأترك الهدى
"وامكر لي"، والمكر هو الخداع، وهو من الله إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون في قابلة مكرهم، وهو صفة كمال في حقه تعالى، أي: أنزل مكرك بمن أراد بي شرا وسوءا، وارزقني الحيلة السليمة، والطريقة المثلى في دفع كيد عدوي، فأسلم من كيدهم وشرهم
"ولا تمكر علي"، أي: ولا تهد عدوي إلى طريق دفعه إياي عن نفسه, ولا تعاملني بسوء نيتي، فأغتر وأتجاوز الحد من حيث لا أشعر فأهلك، والمكر من صفات الله تعالى الفعلية المقيدة التي تقع بمشيئته، فلا تطلق على الله تعالى إلا في سبيل المقابلة والجزاء لمن يمكر به تعالى وبأوليائه
"واهدني"، أي: أرشدني ووفقني بالهداية من عندك، ولا أزيغ عنها حتى ألقاك

"ويسر الهدى لي"، أي: سهل لي اتباع الهداية، وسلوك طريقها، وهيئ لي أسباب الخير، حتى لا أستثقل الطاعة، ولا أنشغل عن العبادة
"وانصرني على من بغى علي"، أي: وانصرني على من ظلمني وتعدى علي, وهذا تخصيص بعد العموم في قوله أولا: "وانصرني ولا تنصر علي"
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "رب اجعلني لك شكارا"، أي: كثير الشكر في السراء والضراء، وفي القول والعمل، وفي السر، وفي العلن، وفي تقديم الجار والمجرور: "لك" دلالة على الاختصاص، أي: أخصك بالشكر؛ لأنك خالق النعم، ومعطيها، سأل الله التوفيق إلى الشكر؛ لأن به تدوم النعم.

"لك ذكارا"، أي: كثير الذكر لك في كل الأوقات والأحوال، وفي سؤاله تعالى التوفيق إلى الذكر؛ لأنه هو أفضل الأعمال

"لك رهابا"، أي: خائفا منك في كل أحوالي

"لك مطيعا"، وفي رواية: "لك مطواعا، أي: كثير الطوع، وهو الانقياد والامتثال والطاعة لأوامرك، والبعد عن نواهيك. "لك مخبتا"، أي: كثير الإخبات، وعلامته: أن يذل القلب بين يدي الله تعالى إجلالا وتذللا، أي: لك خاشعا متواضعا خاضعا

"إليك أواها منيبا"، والأواه هو: كثير التضرع والدعاء والبكاء لله عز وجل، والمنيب كثير الرجوع إلى الله من الذنوب والخطايا. "رب تقبل توبتي"، أي: اجعلها صحيحة بشرائطها وآدابها، وتقبلها مني

"واغسل حوبتي"، أي: امسح ذنبي وإثمي، وذكر الغسل ليفيد إزالته بالكلية

"وأجب دعوتي"، أي: استجب كل دعائي

"وثبت حجتي" أي: ثبت حججي وبراهيني في الدنيا على أعدائك بالحجة الدامغة، والدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالأدلة البينات الساطعة، وثبت قولي في الآخرة عند سؤال الملكين في القبر، والحجج هي البينات والدلائل
ثم ختم صلى الله عليه وسلم دعاءه بقوله: "واهد قلبي" أي: أرشده ووفقه إلى معرفتك، ومعرفة الحق والهدى والصراط المستقيم، "وسدد لساني"أي: صوب لساني؛ حتى لا ينطق إلا بالحق، ولا يقول إلا الصدق

"اسلل سخيمة قلبي"أي: أخرج من قلبي: الحقد والغل، والحسد والغش

وفي الحديث: الدعاء بما فيه أسباب الصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.