حديث عامر بن شهر 1
مستند احمد
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا ابن عيينة، عن مجالد، عن الشعبي، قال: حدثنا عامر بن شهر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «خذوا من قول قريش، ودعوا فعلهم»
لقدْ لاقَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أذَى المُشرِكينَ شِدَّةً، وتحمَّلَ كَثيرًا مِنَ الصِّعابِ في سَبيلِ نَشرِ دَعوَتِه وتَبليغِ رِسالةِ رَبِّه، وقدْ آذاهُ المُشرِكونَ في مَكَّةَ وغَيرِها، ولكِنَّهُ صَبَرَ واحتَسَبَ ذلك للهِ؛ لَعَلَّ اللهَ سُبحانَه يَهدِيهم إلى الدُّخولِ في الإسلامِ
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضيَ اللهُ عنه صُورةً مِن صُوَرِ الأذَى الذي كان يَلحَقُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن كُفَّارِ قُرَيْشٍ، حيثُ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قائِمًا يُصَلِّي عِندَ الكَعبةِ، وكان بَعضُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجلِسونَ في أحَدِ مَجالِسِهم، فقال أحَدُهم: ألا تَنظُرونَ إلى هذا المُرائي؟ يَقصِدُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فادَّعَى الكافِرُ كَذِبًا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي عِندَ الكَعبةِ رِياءً؛ لِيَرَى الناسُ عِبادَتَه! ثمَّ قال هذا الرَّجُلُ: «أيُّكُم يَقُومُ إلى جَزُورِ آلِ فُلانٍ» يَقصِدُ: جَزُورًا لِشَخصٍ مُعيَّنٍ، والجَزُورُ مِنَ الإبِلِ: ما يُجزَرُ، أيْ: يُقَطَّعُ، «فيَعمِدُ إلى فَرْثِها ودَمِها وسَلاها»، والفَرْثُ: ما في بَطنِ الإبِلِ مِنَ القَذارةِ، والسَّلا: هو أمعاؤُها، أو: وِعاءُ الجَنِينِ الذي في مَعِدَتِها، فيَأخُذُ هذه القاذوراتِ ويَأتي بها، ثم يَنتَظِرُ حتى إذا سَجَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَضَعَه بَينَ كَتِفَيْه؟ فقامَ أشْقَى القَومِ، وهو عُقبةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ، وفَعَلَ ما اتَّفَقوا عليه، وظَلُّوا يَضحَكونَ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتى مالَ بَعضُهم إلى بَعضٍ مِنَ الضَّحِكِ، وثَبَتَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على وَضْعِه ساجِدًا، فذَهَب شَخصٌ -يَحتَمِلُ أنْ يَكونَ هو ابنَ مَسعُودٍ رَضيَ اللهُ عنه- إلى فَاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنها، فأخبَرَها، وهي يَومَئِذٍ جُوَيْريةٌ، يَعني: صَغِيرةُ السِّنِّ، فأتَتْ فاطِمةُ رَضيَ اللهُ عنها مُسرِعةً وأزالَتْ ما على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الأذى، وأقبَلَتْ عليهم تَسُبُّهم.فلَمَّا انتَهى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن صَلاتِه دَعا عليهم، فقال: «اللَّهُمَّ عليكَ بقُرَيْشٍ، اللَّهمَّ عليكَ بقُرَيْشٍ، اللَّهمَّ عليكَ بقُرَيْشٍ»، أيْ: بإهلاكِ قُرَيْشٍ، والمُرادُ: الكُفَّارُ منهم، أو مَن سَمَّى منهم بَعدَ ذلك؛ فهو عُمومٌ أُرِيدَ به الخُصوصُ. ثمَّ دَعا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أشخاصٍ بأعيانِهم، فقال: «اللَّهُمَّ عليكَ بعَمْرِو بنِ هِشَامٍ، وعُتبةَ بنِ رَبيعةَ، وشَيبةَ بنِ رَبيعةَ، والوَليدِ بنِ عُتبةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقبةَ بنِ أبي مُعَيْطٍ، وعُمارةَ بنِ الوَليدِ»، فلَمَّا كان يَومُ بَدرٍ وقد وَقَعتْ في العامِ الثاني مِنَ الهِجرةِ، وكانتْ أُولى الغَزَواتِ وأعظَمَها- قُتِلَ جَمِيعُ مَن دَعا عليهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووُضِعوا في القَليبِ، وهي الحُفرةُ التي حَفَرَها المُسلِمونَ؛ لِيُلْقوا فيها مَن هَلَكَ مِن كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فلَمَّا وُضِعوا في القَلِيبِ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وأُتبِعَ أصحابُ القَلِيبِ لَعنةً» يَعني: أنَّ اللهَ أتبَعَهم لَعنةً، فكما أنَّهم مَقتولونَ في الدُّنيا، هم مَطرودونَ في الآخِرةِ مِن رَحمةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ
وفي الحَديثِ: مُعجِزةٌ ظاهِرةٌ لِلنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ استُجيبَ له وقُتِلَ كُلُّ مَن دَعا عليهم