حديث عبد الرحمن بن أبزى، عن أبي بن كعب2
مسند احمد
حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، حدثنا أسلم المنقري، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبي، أمرت أن أقرأ عليك سورة كذا وكذا " قال: قلت: يا رسول الله وقد ذكرت هناك؟ قال: "نعم ". قال (1) : فقلت له: يا أبا المنذر، ففرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني والله يقول: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما تجمعون) قال مؤمل: قلت لسفيان: هذه القراءة في الحديث؟ قال: "نعم " (2)
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ لِأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضِيَ اللهُ عنه: إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ القُرْآنَ، والمراد: قِراءة تعليمٍ؛ فإنَّ المعلِّمَ إذا قرَأَ والمتعلِّمُ يَسْمَعُه، كان ذلك أشَدَّ اعتِمادًا عليه مِن أنْ يَقرَأَ المتعلِّمُ، وكان فيه تَعليمُ حُسنِ التَّرتيبِ والتَّأديةِ، وكَيفيَّةِ التَّرتيلِ، وسائرِ هَيئاتِ القراءةِ.
وَقَرَأَ عَلَيه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُورةَ البيِّنةِ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}.
فَسَألَهُ أُبَيٌّ رضِيَ اللهُ عنه: هَلِ اللَّهُ عزَّ وجلَّ سَمَّاني لَكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَأكَّدَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَلامَه: سَمَّاكَ اللهُ لي. فَبَكى أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ رضِيَ اللهُ عنه فَرَحًا.
وقيل في الحِكمةِ مِنَ الأمرِ بقِراءتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على أُبَيٍّ رَضِيَ اللهُ عنه سُورةَ البيِّنةِ: أنَّ اللهَ سُبحانه لَمَّا قدَّر أنْ يَجعَلَ أُبيًّا أقرَأَ الصَّحابةِ، أمَر اللهُ نَبِيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يَقرَأَ عليه؛ لِيَتَّصِلَ السَّنَدُ مِن أُبيٍّ إلى ربِّ العالَمين، فيُلقِّبَه بالأقرَأِ.
وأمَّا وَجهُ تخصيصِ سُورةِ البَيِّنةِ بالقِراءةِ: فلِما فيها من ذِكرِ المعاشِ مِن بيانِ أحوالِ الدِّينِ مِن التوحيدِ والرِّسالةِ، وما ثبت به الرِّسالةُ من المعجِزةِ التي هي القرآنُ وفُروعُه من العبادةِ والإخلاصِ، وذِكْرِ مَعادِهم من الجنَّةِ والنَّارِ، وتقسيمِهم إلى السُّعَداءِ والأشقياءِ، وخَيْرِ البَرِيَّةِ وشَرِّهم، وأحوالِهم قبل البَعثةِ وبَعْدَها، هذا كُلُّه مع وَجازةِ السُّورةِ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: قِراءةُ الفاضِلِ عَلى المَفضولِ.
وفيه: البُكاءُ لِلسُّرورِ والفَرَحِ مِمَّا يُبَشَّرُ الإنسانُ به وَيُعطاهُ مِن مَعالي الأُمورِ.