حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي 5
مسند احمد
حدثنا يونس، قال: حدثنا حماد يعني ابن زيد، عن محمد بن إسحاق، عن سعيد بن أبي هند، عن مطرف، قال: دخلت على عثمان بن أبي العاص، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصيام جنة كجنة أحدكم من القتال»وكان آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى الطائف، قال: «يا عثمان، تجوز في الصلاة، فإن في القوم الكبير، وذا الحاجة»
للصِّيامِ فضْلٌ عَظيمٌ عِندَ اللهِ تعالَى؛ وذلك أنَّ فيه مُراقَبةً خاصَّةً مِن العبْدِ لربِّه، وفيه تَجويعٌ للنَّفْسِ ومَنعٌ لها مِن الشَّهَواتِ المباحةِ مِن أجْلِ اللهِ سُبحانه؛ ولذلك خصَّه اللهُ بأنَّه يَجْزي به
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عُثمانُ بنُ أبي العاصِ الثَّقفيُّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "الصِّيامُ جُنَّةٌ كجُنَّةِ أحَدِكم مِن القتالِ"، أي: كالدِّرْعِ المانعِ مِن القِتلِ في القِتالِ، ويعني بقولِه: (جُنَّة) أنَّه وِقايةٌ وسترٌ مِن النَّارِ، وحِصْنٌ حَصينٌ مِنها في الآخِرةِ؛ فالصِّيامُ وِقايةٌ مِن الوُقوعِ في المنكَراتِ في الدُّنيا، ويَقِي صاحِبَه ما يُؤذيه مِن الشَّهواتِ؛ فيَنبَغي للصَّائمِ أنْ يَصونَ نفْسَه وصِيامَه ممَّا يُفسِدُه ويَنقُصُ ثوابَه، مِن كلِّ المنكَراتِ والمعاصي، "وكان آخِرَ ما عهِدَ إليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: أوصاني، "حِين بَعَثَني إلى الطَّائفِ" وكان قد أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وَفدِ ثَقيفٍ، ثمَّ اسْتعمَلَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الطائفِ، ثمَّ أقَرَّه أبو بكرٍ وعُمَرُ في خِلافتِهما، "قال: يا عُثمانُ، تَجوَّزْ في الصَّلاةِ"، أي: إذا صلَّيتَ إمامًا فخَفِّفِ الصَّلاةَ على الناسِ في القِراءةِ، والرُّكوعِ، والسُّجودِ؛ "فإنَّ في القومِ الكبيرَ، وذا الحاجةِ"، أي: لأنَّ مِنَ المأمومينَ الكبيرَ الضَّعيفَ، ومَن له حاجةٌ يُريدُ قَضاءَها، وفي تَطويلِ صَلاةِ الجَماعةِ تَشديدٌ عليه وإخراجٌ له عن الخُشوعِ؛ لِانشِغالِه بِحاجَتِه، أو ضَعْفِه عن تَحمُّلِ التَّطويلِ
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الصِّيامَ حِمايةٌ للمُسلِمِ، وهذا مِن فَضائِلِه
وفيه: الأمْرُ بالتَّخفيفِ في الصَّلاةِ
وفيه: مُراعاةُ الشَّرعِ لِأحوالِ الناسِ وطاقاتِهم في العِباداتِ، وأنَّه دِينُ يُسْرٍ لا عُسْرٍ