حديث أبي موسى الأشعري 52

مستند احمد

حديث أبي موسى الأشعري 52

حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، حدثني غيلان بن جرير، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله. فقال: «لا والله ما أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه» . فلبثنا ما شاء الله، ثم أمر لنا بثلاث ذود غر الذرى، فلما انطلقنا. قال: بعضنا لبعض أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف أن لا يحملنا. ارجعوا بنا، أي حتى نذكره، قال: فأتيناه فقلنا: يا رسول الله، إنا أتيناك نستحملك فحلفت أن لا تحملنا، ثم حملتنا ‍ فقال: «ما أنا حملتكم بل الله عز وجل حملكم. إني والله إن شاء الله تعالى لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن [ص:329] يميني» أو قال: «إلا كفرت يميني، وأتيت الذي هو خير»

شأنُ اليَمينِ المحلوفةِ باللهِ عَظيمٌ، لا يَعرِفُ قَدْرَها وعظَمَتَها إلَّا مُؤمِنٌ عارِفٌ برَبِّه، ومِن ثَمَّ أمر اللهُ عزَّ وجَلَّ بحِفْظِ الأيمانِ، ومن رحمتِه سُبحانَه أنْ شَرَع لعبادِه الكَفَّارةَ في اليمينِ لِمن أراد أن يحنَثَ في يمينِه ويَفعَلَ خِلافَ ما حَلَف عليه
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ بنتُ أبي بَكْرٍ رَضِي اللهُ عَنْهما أنَّ أباها كانَ «لا يَحنَثُ في يَمينٍ»، أي: كان يَبَرُّ بقَسَمِه الذي أَقْسَمَهُ، ويُنفِذُه، ولا يُخلِفُه. «حتَّى أَنْزَل اللهُ كفَّارةَ اليمينِ»، أي: رُخْصةً لمَنْ أراد أنْ يَرْجِعَ في قَسْمِهِ، والكفَّارةُ: ذَهابُ الذَّنْبِ
وأخبر أبو بَكْرٍ رَضِي اللهُ عَنْه: أنَّه ما حَلَف على يمينٍ، وظَنَّ الخيرَ في غيرِ ما حَلَف به، إلَّا قَبِلَ رُخْصةَ اللهِ وتسهيلَه على عبادِه في تشريعِ الكَفَّارةِ عند الحِنْثِ باليمينِ، ونَقَض يمينَه بالكفَّارةِ، وفَعَلَ الذي هو خيرٌ وأفضلُ.
وأصلُ هذا الحُكمِ رُوِيَ مَرفوعًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -كما في الصَّحيحينِ من حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه-: «وإنِّي واللهِ -إن شاء الله- لا أحلِفُ على يمينٍ، فأرى غيرَها خيرًا منها إلَّا كفَّرْتُ عن يميني وأتيتُ الذي هو خيرٌ -أو: أتيتُ الذي هو خيرٌ وكَفَّرْتُ عن يميني
وقدْ ذُكِرتْ كفَّارةُ اليَمينِ على التَّرتيبِ في قولِه تَعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89]، فمن لم يَستطعِ الإطعامَ أو الكسوةَ أو العِتقَ؛ فلْيَصُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ
وفي الحَديثِ: فضيلةُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه وحِرصُه على فِعلِ الخَيرِ