حديث قرة المزني 1
مسند احمد
حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا أبو خيثمة، عن عروة بن عبد الله بن قشير الجعفي، قال: حدثني معاوية بن قرة [ص:178]، عن أبيه قال: أتيت في رهط من مزينة فبايعنا، وإن قميصه لمطلق، فبايعته فأدخلت يدي من جيب القميص، فمسست الخاتم " قال عروة: «فما رأيت معاوية، ولا ابنه شتاء، ولا حرا إلا مطلقي أزرارهما، لا يزران أبدا»
يَقولُ اللهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] أي: قُدوةٌ حَسَنةٌ؛ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خَيرُ أُسوةٍ لأُمَّتِه، وكان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مِن أشَدِّ النَّاسِ اقتِداءً وتَأسِّيًا بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جَميعِ أُمورِه وأحوالِه، حَتَّى فيما يَتَعَلَّقُ بكَيفيَّةِ لِباسِه، فكان الواحِدُ مِنهم يَحرِصُ أن تَكونَ طَريقةُ لباسِه وكَيفيَّتُه كما لَبِسَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا لَبِسَ قَميصًا فكَّ أزرارَ القَميصِ، يَقولُ قُرَّةُ بنُ إياسٍ المُزَنيُّ رَضيَ اللهُ عنه، وهو جَدُّ إياسِ بنِ مُعاويةَ، القاضي المَشهورِ بالذَّكاءِ: أتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في رَهطٍ، أي: جَماعةٍ مِنَ الرِّجالِ ما دونَ العَشَرةِ، مِن مُزَينةَ، أي: مِن قَبيلةِ مُزَينةَ مِن قَبائِلِ مُضَرَ، فبايَعْناه، أي: بايَعوه على الإسلامِ، ثُمَّ أخبَرَ قُرَّةُ عن كَيفيَّةِ قَميصِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: وإنَّ قَميصَه، أي: النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لمُطلَقٌ، أي: مَفتوحٌ غَيرُ مَزرورةٍ أزرارُه. والمَعنى: أنَّ قَميصَه كان مَفتوحًا واسِعًا، ولَم يَكُنْ مَشدودَ الأزرارِ، والأزرارُ: جَمعُ زِرٍّ: وهو ما تَعَلَّق بالعُروةِ، والعُروةُ: حَلقةُ الجَيبِ، وكانت عادةُ العَرَبِ أن تَكونَ جُيوبُهم واسِعةً، فرُبَّما يَشُدُّونَه ورُبَّما يَترُكونَه مَفتوحًا. فبايَعوه، ثُمَّ أدخَلَ قُرَّةُ يَدَه في جَيبِ قَميصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وجَيبُ القَميصِ: هو الفتحةُ التي يَخرُجُ مِنها الرَّأسُ، فمَسِستُ الخاتَمَ، أي: خاتَمَ النُّبوَّةِ تَبَرُّكًا به. يَقولُ عُروةُ، وهو عُروةُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ قُشَيرٍ، راوي الحَديثِ عن مُعاويةَ بنِ قُرَّةَ: فما رَأيتُ مُعاويةَ، أي: مُعاويةَ بنَ قُرَّةَ، ولا ابنَه، أي: أبا إياسٍ، في شِتاءٍ قَطُّ ولا حَرٍّ، إلَّا مُطلِقَي أزرارِهما، لا يَزُرَّانِه أبَدًا، أي: أنَّهما كانا في جَميعِ الأوقاتِ -في الشِّتاءِ في شِدَّةِ البَردِ، أو في الصَّيفِ في شِدَّةِ الحَرِّ- مُطلِقَي أزرارِ القَميصِ؛ اقتِداءً بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَأسِّيًا به
وفي الحَديثِ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَلبَسُ القَميصَ
وفيه بَيانُ إطلاقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأزرارِ قَميصِه
وفيه حِرصُ الصَّحابةِ على الاقتِداءِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في كَيفيَّةِ لُبسِه
وفيه تَمَسُّكُ التَّابعينَ فمَن بَعدَهم باتِّباعِ السُّنَّةِ والمُداوَمةِ عليها مَهما استَطاعوا