ذكر أعظم الذنب
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندا، وهو خلقك» قلت: ثم ماذا؟ قال: «أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك» قلت: ثم ماذا؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك»
لَمَّا كان الشِّركُ هو الذَّنبَ الَّذي لا يُغفَرُ كان أكْبَرَ الذُّنوبِ وأعظَمَها؛ ولذلك قال اللهُ تعالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمُ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
وفي هذا الحَديثِ يسألُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -أو سُئِلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الشَّكُّ من راوي الحديثِ- وفي روايةٍ عند البُخاريِّ قال عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: «قُلت: يا رَسول اللهِ»، فكان هو السَّائِلَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سأله: «أيُّ الذَّنبِ عندَ اللهِ أكْبَرُ؟ فقال: أنْ تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَك»، والنِّدُّ: المثيلُ والنَّظيرُ. وفي تلك الجُملةِ تَنبيهٌ إلى سُوءِ وفَسادِ عُقولِ الذين يُشرِكون مع اللهِ غيْرَه، مع أنَّه هو الخالِقُ وَحْدَه لا شَريكَ له، فكما أنَّه المتفَرِّدُ بالخَلقِ والإيجادِ، فهو الذي يَجِبُ أنْ يُفرَدَ بالعِبادةِ وَحْدَه لا شَريكَ له؛ ولهذا فإنَّ كونَ الإقرارِ بأنَّ اللهَ هو الخالِقُ الرَّزاقُ المُحْيي المُميتُ، هذا ممَّا أقَرَّ به الكُفَّارُ الذين بُعِثَ فيهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكِنَّ ذلك لم يُدخِلْهم في الإسلامِ ولم يَنفَعْهم؛ لأنَّهم لم يُفرِدوا اللهَ عزَّ وجَلَّ بالعبادةِ، ولم يَخُصُّوه بالعبادةِ التي هي مُقتَضى شَهادةِ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ
فقال ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ثُمَّ ماذا بعْدَ الشِّرْكِ؟ فقال: «أنْ تَقتُلَ ولدَكَ خَشيةَ أنْ يَطْعَمَ معك» يعني: خوْفًا مِنَ الفقْرِ وعدَمِ الكفايةِ، وإنَّما جعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قتْلَ الولدِ خَشيةَ أنْ يَأكُلَ مع أبيهِ أعظَمَ الذُّنوبِ بعْدَ الشِّركِ؛ لأنَّ ذلك يَجمَعُ القتْلَ وقطْعَ الرَّحمِ ونِهايةَ البُخْلِ
فسأل عن أعظَمِ الذُّنوبِ بَعْدَ الشِّركِ وقَتْلِ الوَلَدِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أنْ تُزانِيَ بِحَلِيلةِ جارِكَ» وحَليلَةُ الجارِ: زَوجتُه، وإنَّما جَعَلَ الزِّنَا بِزوجةِ الجارِ مِن أعظمِ الذُّنوبِ؛ لأنَّ الجارَ يَتوقَّعُ مِن جارِه الذَّبَّ عنه وعَن حَريمِه
وبيَّن ابنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه نزَلَ في تَصديقِ هذا المعنى الَّذي ذكَرَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولُه تعالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]
وفي الحَديثِ: حِرصُ الصَّحابةِ على سُؤالِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الذُّنوبِ؛ خَشيةَ الوُقوعِ فيها