فضائل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم 2
سنن ابن ماجه
حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، حدثنا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن أبي راشد
أن يعلى بن مرة حدثهم: أنهم خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى طعام دعوا له، فإذا حسين يلعب في السكة. قال: فتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام القوم، وبسط يديه، فجعل الغلام يفر هاهنا وهاهنا، ويضاحكه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه، والأخرى في فأس رأسه، فقبله، وقال: "حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط" (2).
مِن حُبِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُبُّ آلِ بيتِه المؤمنينَ جميعًا في غيرِ مُغالاةٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ يَعْلى بنُ مُرَّةَ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّهم خرَجُوا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى طعامٍ دُعُوا له"، أي: كان خُروجُهم تلبيةً لدَعوةٍ على طعامٍ، "فإذا حُسينٌ"، وهو ابنُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وهو حَفيدُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من ابنتِه فاطمةَ، "يلعَبُ في السِّكَّةِ"، أي: في الطَّريقِ، "فتقدَّمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمامَ القومِ، وبسَطَ يَدَيْه"، أي: فتَحَ ذِراعيْه للحُسينِ لمُداعبَتِه، كأنَّه يُريدُ أنْ يَحتضِنَه، وهذا مِن حُسْنِ خُلُقِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومُلاطفتِه لحَفيدِه، "فجعَلَ الغُلامُ يَفِرُّ هاهنا وهاهنا"، أي: مُلاعِبًا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُرورًا بفعلِه يَجْري منه في جَنباتِ الطَّريقِ، ويَحْتَمِلُ: أنَّه يهُربُ منه بهذا كَعادةِ الصِّغارِ إذا أراد أحدٌ أنْ يأخُذَهم، "ويُضاحِكُه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى أخَذَه"، أي: أمسَكَ الحُسينَ رضِيَ اللهُ عنه، "فجعَلَ إحدى يَدَيْه تحت ذَقْنِه"، أي: أمسَكَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ ذَقْنَ الحُسينِ، "والأُخرى في فأْسِ رأْسِه"، أي: ويَدُهُ الأُخرى جعَلَها خلفَ رأسِ الحُسينِ من الأسفلِ، وفأْسُ الرَّأسِ: هو طرَفُ الرَّأسِ من الخَلْفِ، "فقبَّلَه، وقال: حُسينٌ مِنِّي، وأنا مِن حُسينٍ"، أي: بيننا مِن الاتحادِ والاتِّصالِ والرَّحمِ ما يصِحُّ أنْ يُقالَ معه بأنَّ كلًّا منهما من الآخَرِ، وهذا يُبيِّنُ أنَّهما كالشَّيءِ الواحدِ في وُجوبِ المحبَّةِ وحُرمةِ التَّعرُّضِ والمُحاربةِ.
ثُمَّ أكَّدَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه المعانيَ من الحُرمةِ ووُجوبِ المحبَّةِ بقولِه: "أحَبَّ اللهُ مَن أحبَّ حُسينًا"، أي: فإنَّ محبَّتَه مَحبَّةٌ للرَّسولِ، ومَحبَّةَ الرَّسولِ مَحبَّةٌ للهِ، "حُسينٌ سِبْطٌ من الأسباطِ" يقصِدُ: أنَّه مِن الأولادِ أو مِن أولادِ الأولادِ، أو أولادِ البناتِ، ويُقال للقَبيلةِ: سِبطٌ، قال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [الأعراف: 160]، أي: قبائلَ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ المُرادُ هاهنا: أنَّه يتشعَّبُ منه قَبيلةٌ، ويكونُ مِن نَسلِه خَلْقٌ كثيرٌ؛ فيكونُ إشارةً إلى أنَّ نَسْلَه يكونُ أكثَرَ وأبْقى، وأخرَج ابنُ ماجَه أيضًا من حَديثِ أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "مَن أحبَّ الحسَنَ والحُسينَ فقد أحبَّني، ومَن أبغضَهما فقدْ أبغضَني".
وفي الحديثِ: بيانُ مَنقبةِ الحُسينِ رضِيَ اللهُ عنه وفَضلِه، وأنَّ حُبَّه من حُبِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بيانُ ما كان عليه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن العَطفِ على الأولادِ والتَّرفُّقِ بهم.