باب تقصير الصلاة في السفر 5
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن عبدة، أخبرنا حماد بن زيد، عن بشر بن حرب
عن ابن عمر، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من هذه المدينة لم يزد على ركعتين، حتى يرجع إليها (3).
الصَّلاةُ عِبادةٌ توقيفيَّةٌ، نأخُذُ أحكامَها كما علَّمَها لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومِن ذلك قصْرُ الصَّلاةِ في السَّفرِ، وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا خرَجَ مِن هذه المدينةِ"، أي: خرَجَ مُسافرًا، "لم يَزِدْ على رَكعتَينِ حتَّى يرجِعَ إليها"، أي: قصَرَ الصَّلاةَ الرُّباعيَّةَ إلى رَكعتَينِ، وصلَّى الفجْرَ والمغرِبَ كما هما؛ إذ ليس فيهما قصْرٌ، وكان يقصُرُ ما دام مُسافرًا حتَّى يرجِعَ إلى المدينةِ، وهي موطِنُ إقامتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يُحدِّدْ مُدَّةَ السَّفرِ.
وفي سبَبِ وُرودِ هذا الحَديثِ: روى مُسلِمٌ في صحيحِه- وأصْلُ الحديثِ عندَ البُخاريِّ-، وفيه قال حفْصُ بنُ عاصمٍ: صحِبْتُ ابنَ عمرَ في طريقِ مكَّةَ، قال: فصَلَّى لنا الظُّهرَ رَكعتينِ، ثمَّ أقبَلَ وأقبَلْنا معه، حتَّى جاء رحْلَه، وجلَسَ وجلَسْنا معه، فحانتْ منه الْتِفاتةٌ نحوَ حيث صلَّى، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: «ما يصنَعُ هؤلاء؟» قلْتُ: يُسَبِّحونَ، قال: «لو كنْتُ مُسَبِّحًا لأتمَمْتُ صلاتي! يا ابنَ أخي، إنِّي صَحِبْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في السَّفرِ، فلم يَزِدْ على ركعتينِ حتَّى قبَضَه اللهُ، وصحِبْتُ أبا بكرٍ، فلم يَزِدْ على ركعتينِ حتَّى قبَضَه اللهُ، وصحِبْتُ عُمرَ، فلم يَزِدْ على رَكعتَينِ حتَّى قبَضَه اللهُ، ثمَّ صحِبْتُ عُثمانَ، فلم يَزِدْ على رَكعتَينِ حتَّى قبَضَه اللهُ»، وقد قال اللهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]؛ فهذا بيانٌ لحُسْنِ الاتِّباعِ مِن الصَّحابةِ لسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والْتزامِهم لها، في غيرِ زيادةٍ ولا نقْصٍ، وبيانُ أنَّ على المُؤمنِ أنْ يحذَرَ التَّكلُّفَ في العِبادةِ بإفراطٍ أو تفريطٍ.
وفي الحديثِ: بيانُ تيسيرِ الشَّريعةِ على النَّاسِ في السَّفرِ بقصْرِ الصَّلاةِ( ).