كتاب الاستعاذة 11
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن عقبة بن عامر، قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا عقبة، قل» فقلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ فسكت عني، ثم قال: «يا عقبة قل» قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ فسكت عني، فقلت: اللهم اردده علي، فقال: «يا عقبة قل» قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ فقال: «قل أعوذ برب الفلق»، فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال: «قل» قلت: ماذا أقول يا رسول الله؟ قال: «قل أعوذ برب الناس» فقرأتها حتى أتيت على آخرها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «ما سأل سائل بمثلهما، ولا استعاذ مستعيذ بمثلهما»
المؤمنُ يَستعيِذُ باللهِ من شُرورِ خَلْقِه؛ لأنَّه سُبحانَه القادِرُ على صَرْفِ الشُّرورِ عن عبْدِه، ولقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستعيِذُ باللهِ ممَّا يَخافُ ويحذَرُ
وفي هذا الحَديثِ يَحكِي عُقْبَةُ بنُ عامرٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه بَينَما هو يَسيرُ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الجُحْفَةِ والأَبْواءِ. والجُحْفَةُ موضِعٌ بينَ مَكَّةَ والمدينةِ، وتَبعُدُ عن مَكَّةَ 190كلم تقريبًا، بقُرْب (رابِغ)، وقدْ خَرِبت الجُحفةُ فصارَ النَّاسُ يُحرِمون مِن رابِغ، ورابغ قبْلَ الميقاتِ بقليلٍ. والأَبْواءُ جبَلٌ بين مكَّةَ والمدينةِ
وقوله: "إذ غَشِيَتْنَا ريحٌ وظُلْمةٌ شديدةٌ"، أي هبَّتْ علينا ريحٌ عاصفٌ وأحاطَتْ بنا ظُلْمةٌ شديدةٌ، فجعَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتعوَّذُ بـ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، أي: استعاذَ باللهِ عزَّ وجلَّ من هَوْلِ ما رأى بهاتَينِ السُّورتَينِ؛ سورةِ الفلق وسُورةِ النَّاس. والمرادُ بالفَلَقِ الصُّبْحُ، وقيل: الخَلْقُ، والمعنى: أَسْتجيرُ باللهِ عزَّ وجلَّ ربِّ كلِّ شيءٍ
ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُقْبَةَ: «تعوَّذْ بهما»، أي: بالمُعَوِّذَتَيْنِ، «فما تعوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بمِثْلِهما»، أي: لن تجِدَ أفضَلَ منهما في التَّعاويذِ والمُنْجياتِ
قال عقبةُ رضِيَ اللهُ عنه: «وسَمِعتُه يَؤمُّنا بِهما في الصَّلاةِ»، أي: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَؤمُّنا بهاتَينِ السُّورتَينِ في الصَّلاةِ
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّ المؤمنَ يَتضرَّعُ باللُّجوءِ إلى اللهِ وقْتَ الشِّدَّةِ
وفيه: فضْلُ المُعَوِّذَتَيْنِ، والحثُّ على التعوُّذِ بهما