كتاب العمرى 4
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبيد الله بن يزيد بن إبراهيم، قال: أخبرني أبي أنه عرض على معقل، عن عمرو بن دينار، عن حجر المدري، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعمر شيئا فهو لمعمره محياه ومماته، ولا ترقبوا، فمن أرقب شيئا فهو لسبيله»
قطَعَ الإسلامُ كُلَّ صِلَةٍ بالجاهليَّةِ التي تُخالِفُه في تَشريعاتِه، ومن ذلك
ما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَنْ أَعْمَرَ شيئًا فهو لِمُعَمِّرِه)، أي: مَنْ وَهَبَ شيئًا لشخصٍ مُدَّةَ عُمُرِه وطَوالَ حياتِه، فهذا الشَّيءُ للموهوبِ له، (مَحْيَاهُ ومَمَاتَهُ)، أي: مُدَّةَ حياتِه، وبعْدَ موتِه يَجري فيه الميراثُ لِمَنْ بعْدَه مِن وَرَثَتِه، (ولا تُرْقِبوا)، أي: لا تَجعلوا أموالَكم رُقْبى، فلا تُضيِّعوها وتُخرِجوها من أملاكِكم بالرُّقْبى، و"الرُّقْبى" من المُراقَبةِ، وهي: أنْ يَهَبَ إنسانٌ إنسانًا مِلْكًا من دارٍ وغيرِها، فأيُّهما ماتَ رجَع المِلْكُ لوَرَثَةِ المُعْطي والواهِبِ، وسُمِّيَتْ بذلك لأنَّ كُلًّا منهما يُراقِبُ موتَ صاحبِه، (فمَنْ أَرْقَبَ شيئًا)، أي: من أموالِه، (فهو سَبيلُه)، أي: الشَّيءُ الذي أُرْقِبَ سَبيلُه وطريقُه الميراثُ
وهذا النَّهْيُ عن الرُّقْبى لِمَا كان على صِفةِ الجاهليَّةِ؛ وهو مُتوجِّهٌ في حالةِ كونِها مُؤَقَّتَةً يُنظُرُ فيها الإنسانُ للمُصلحةِ، أمَّا إذا كانتْ مُؤَبَّدَةً بأنْ كانت للمُعْمَرِ الموهوبِ له مُدَّةَ حياتِه، وجُعِلَتْ بعْدَ موتِه لعَقِبِه ووَرَثَتِه، فلا شَيْءَ فيها