مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه 22
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن صالح قال ابن شهاب: أخبرني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد (4) ، أن محمد بن سعد بن أبي وقاص، أخبره أن أباه سعد بن أبي وقاص، قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني - فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب " قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن، ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلن: نعم، أنت أغلظ وأفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك "\
قَوْلُهُ : "وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ " : قِيلَ : هُنَّ أَزْوَاجُهُ .
"وَيَسْتَكْثِرْنَهُ " : أَيْ : يَطْلُبْنَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيهِنَّ مِنَ النَّفَقَةِ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى "يَسْتَكْثِرْنَهُ " : يَطْلُبْنَ كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ بِحَوَائِجِهِنَّ وَفَتَاوِيهِنَّ .
قَوْلُهُ : "عَالِيَةً " : - بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ ، أَوِ الرَّفْعِ عَلَى النَّعْتِ - ، قِيلَ : كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى صَوْتِهِ ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ طَبْعِهِنَّ ، أَوِ الْمُرَادُ : عُلُوُّ صَوْتِهِنَّ بِالِاجْتِمَاعِ ، لَا أَنَّ صَوْتَ كُلِّ وَاحِدَةٍ عَالٍ عَلَى صَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَوْلُهُ : "يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ " : أَيْ : أَسْرَعْنَ إِلَيْهِ .
قَوْلُهُ : "أَضْحَكَ اللَّهُ " : تَعْرِيضًا لِلسُّؤَالِ عَنْ سَبَبِهِ ، وَهُوَ دُعَاءٌ بِالسُّرُورِ اللَّازِمِ لِلضَّحِكِ ; فَإِنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ .
قَوْلُهُ : "أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ " : - بِفَتْحِ الْهَاءِ - مِنَ الْهَيْبَةِ ; أَيْ : يُوَقِّرْنَ .
* "أَنْتَ أَغْلَظُ . . . إِلَخْ " : مَقْصُودُهُنَّ الْكِنَايَةُ عَنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْيَنَ وَأَلْطَفَ مِنْهُ ، لَا إِثْبَاتَ الْغِلْظَةِ لَهُ حَتَّى يُقَالَ : إِنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ [آلُ عِمْرَانَ : 159] .
* "إِلَّا سَلَكَ فَجًّا . . . إِلَخْ " : قِيلَ : أَيْ : لِشِدَّةِ بَأْسِهِ ; خَوْفًا مِنْ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ شَيْئًا ، فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِ عُمَرَ فَارَقَ سَبِيلَ الشَّيْطَانِ ، وَسَلَكَ سَبِيلَ السَّدَادِ ، فَخَالَفَ كُلَّ مَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ .
قُلْتُ : وَالْوَجْهُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، لَا لِمَا سَبَقَ ، بَلْ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْرَهُهُ كَمَا يَكْرَهُ الْأَذَانَ ; لِغَايَةِ اسْتِقَامَتِهِ وَإِنْكَارِهِ الْمُنْكَرَاتِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .