مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه265
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثني معاوية يعني ابن صالح، عن ربيعة بن يزيد، قال: حدثني قزعة، قال: أتيت أبا سعيد وهو مكثور (1) عليه، فلما تفرق (2) الناس عنه قلت: إني لا أسألك عما سألك (3) هؤلاء عنه، قلت: أسألك عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك في ذلك (4) من خير، فأعادها عليه، فقال: " كانت صلاة الظهر تقام فينطلق أحدنا إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى "قال: وسألته عن الزكاة؟ فقال: لا أدري أرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم لا: " في مائتي درهم خمسة دراهم، وفي أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاث مائة، فإذا زادت ففي كل مائة شاة، وفي الإبل في خمس شاة وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون "وسألته عن الصوم في السفر؟ قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم " فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر، فقال: " إنكم
مصبحي (1) عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا، فكانت عزيمة (2)
السَّفرُ ومُلاقاةُ العَدوِّ منَ الأُمورِ الَّتي تَحتاجُ إلى القوَّةِ الجَسديَّةِ لتَحمُّلِ المشاقِّ والصُّعوباتِ، وهذا الحَديثُ في بَيانِ بعضِ رُخَصِ السَّفَرِ وعَزَائِمِه بالصَّومِ أو الإفْطارِ فيه، وكذلك الرُّخَصُ والعَزائِمُ عندَ مُلاقَاةِ العَدُوِّ في شَهرِ رَمَضانَ، وفي أَثْناءِ الصِّيامِ؛ فيُخبِرُ التَّابِعيُّ قَزَعةُ بنُ يَحْيى البَصْريُّ أنَّه جاء إلى أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عنه «وهو مَكْثورٌ عليه»، أي: حَوْلَه أُناسٌ كَثيرونَ يَتعلَّمونَ ويَستَفيدونَ من حَديثِه، فلمَّا تَفرَّقَ النَّاسُ عنه وانصَرَفوا، قال لأبِي سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عنه: إنِّي لا أَسألُكَ عمَّا يَسألُكَ النَّاسُ عنه مِن مَسائِلَ، ولعلَّه يقصِدُ أنَّ مَسألَتَه لم يسبِقْ لأبي سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ تَناوَلَها، أو سأَلَه أحدُهم عنها في مجلِسِه هذا، فسأَلَه عن حُكمِ الصِّيامِ في السَّفَرِ وما فيه مِن رُخَصٍ أو عَزائِمَ، فأخبَرَه أبو سَعِيدٍ رَضيَ اللهُ عنه مُوضِّحًا أحْوالَهم في السَّفَرِ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أنَّهم ابْتَدؤوا السَّفَرَ منَ المدينةِ إلى فَتْحِ مَكَّةَ وهم صِيامٌ في شَهرِ رَمَضانَ، فلمَّا نَزَلوا مكانًا للرَّاحةِ، أخبَرَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّهم قدِ اقتَرَبوا مِنَ العَدُوِّ والحَرْبِ، وأنَّ الفِطرَ أقْوى لهم، فلِقاءُ العَدوِّ يَحتاجُ إلى القُوَّةِ، والفِطْرُ يُحقِّقُ ذلك أكثَرَ مِنَ الصِّيامِ، وهذا دَليلٌ على أنَّ حِفظَ القُوَّةِ بالفِطْرِ أفضَلُ لِمَن هو مُنتَظِرٌ لِقاءَ العَدُوِّ.
وقولُه: «فكانَتْ رُخْصةً» يَعني: أنَّهم لم يَفهَمُوا مِن هذا الكَلامِ الأمرَ الواجبَ بالفِطرِ، ولا الجَزمَ به، وإنَّما نبَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنَّ الفِطرَ أَوْلى لِمَن خافَ الضَّعفَ. فمنهم مَن صامَ، ومنهم مَن أفطَرَ.
ثُمَّ أنَّهم نَزَلوا مَكانًا آخَرَ للاستِراحةِ، فقال لهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّكُم مُصَبِّحُو عَدُوِّكم»، أي: ستَهجُمونَ عليه في الصَّباحِ، «والفِطرُ أقْوَى لكم، فأَفْطِروا»، قال أبو سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه: «وكَانَتْ عَزْمةً»، أي: أنَّهم فَهِموا من أمرِه بالفِطْرِ هذه المرَّةَ أنَّه جَزْمٌ، ولا بُدَّ منه، فأفْطَروا جميعُهم، وفي هذا بيانُ أنَّ الصَّحابةَ كانوا يَفْهَمونَ مَقاصِدَ كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثُمَّ أخبَرَ أبو سَعيدٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا يَصومُونَ معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ ذلك في السَّفَرِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ النَّهيَ عنِ الصَّومِ في سَفَرِهم لفَتحِ مكَّةَ لم يَنسَخِ جَوازَ الصَّومِ؛ فالأمرُ مُرتبِطٌ بالقُدرةِ وبالظُّروفِ الطَّارئةِ، وبما يكونُ في السَّفرِ منَ الحاجةِ إلى الإفْطارِ.