مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه44
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن ضمرة عن أبي سعيد - قال أبي: قلت: لسفيان (1) : سمعه؟ قال: زعم (2) - " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة بعد العصر حتى تغرب (3) ، وبعد الصبح حتى تطلع " (4)
حرَصَ الإسلامُ على سَلامةِ العِبادةِ والإخلاصِ للهِ تعالَى واختيار الأماكنِ والأوقاتِ المناسِبةِ للعِباداتِ، كما حَرَص على المرأةِ، وحِفْظِها مِن كُلِّ سُوءٍ؛ لأنَّها مَخلوقٌ ضَعيفٌ، ومَرْغوبٌ فيها؛ ولذلِكَ شرَعَ ما يَحفَظُها، وأوجَبَ على المجتمَعِ المُسلِمِ أنْ يَرعَى حُقوقَها، وهي كذلك يَجِبُ أنْ تُحافِظَ على ما أعطاهُ الإسلامُ لها، ولا تُهدِرَهُ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: "إنَّما تُشَدُّ الرِّحالُ إلى ثَلاثةِ مَساجِدَ"، وهو السَّفرُ إليها بنِيَّةٍ وقصْدٍ دونَ غيرِها مِن المساجِدِ، "مَسجِدِ إبراهيمَ"، وهو المَسجِدُ الحَرامُ بمكَّةَ (الكَعْبةُ)، فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالحَجِّ والعُمْرةِ والزِّيارةِ، "ومَسجِدِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم" الَّذي بالمدينةِ، فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالزِّيارةِ والصَّلاةِ فيه، "وبَيتِ المَقدِسِ"، وهو المَسجِدُ الأقْصى؛ فتُشَدُّ الرِّحالُ إليه بالزِّيارةِ والصَّلاةِ فيه، وقد خُصِّصَتْ هذه المساجِدُ لِمَا لها من الفَضلِ عِندَ اللهِ، ولِمَا للصَّلاةِ فيها من أجْرٍ مُضاعَفٍ.
قالَ أبو سَعيدٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ونَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ عن صَلاةٍ في ساعَتَينِ، بعدَ الغَداةِ -وقالَ عبدُ الوهَّابِ: بعدَ الفَجرِ-" بعدَ صَلاةِ الصُّبحِ، "حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ" حتَّى تَرتَفِعَ وحتَّى يكونَ ظِلُّ الشَّيءِ طُولَ الرُّمحِ، وهذا نَهيٌ عن الصَّلاةِ وَقتَ الإشراقِ؛ لأنَّه كان وَقتًا يُصلِّي فيه الكافِرونَ ممَّن يَعبُدونَ الشَّمسَ، "وبعدَ العَصرِ حتَّى تَغيبَ الشَّمسُ"، وهذا نهْيٌ عَنِ الصَّلاةِ وقْتَ الإشراقِ والغُروبِ؛ وذلِكَ أنَّ الشَّمسَ تَطلُعُ بيْنَ قَرنَيْ شَيْطانٍ؛ ولأنَّه الوقْتُ الَّذي كان يُصلِّي فيه مَن يَعبُدونَ الشَّمسَ كما جاءَ في الرِّواياتِ، فنَهى عنه لِعَدَمِ التَّشبُّهِ بهم، والمُرادُ بالبَعْديَّةِ ليس على عُمومِهِ، وإنَّما المُرادُ وقْتُ الطُّلوعِ، ووقْتُ الغُروبِ، وما قارَبَهُما.
"ونَهى عن صَومِ يَومَينِ: الفِطْرِ والنَّحْرِ"؛ وذلِكَ أنَّهما يَومَا عيدٍ للمُسلِمينَ وفَرحَتِهِم، ويَومُ الفِطرِ هو الأوَّلُ من شوَّالٍ، والنَّحْرُ (الأضْحى) العاشِرُ من ذي الحِجَّةِ، وعِلَّةُ النَّهيِ عن صيامِهِم؛ أنَّ عيدَ الفِطرِ فيه أوَّلُ أيَّامِ الفِطرِ بعدَ صيامِ شَهرِ رَمَضانَ، ويَومُ الأضْحى هو يَومُ الأكْلِ من لُحومِ الذَّبائِحِ.
"ونَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تُسافِرَ المرأةُ فوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ، أو ثَلاثَ ليالٍ إلَّا مع ذي مَحرَمٍ"، والمَعْنى: يَحرُمُ أنْ تَبتَدِئَ سفَرًا مَعْلومَ المدَّةِ أو المَسافةِ، وتَستَغرِقَ فيه ثَلاثةَ أيامٍ أو أكثَرَ إلَّا ويكونُ معَها أحَدُ مَحارمِها، مِن المَذْكورِينَ أو غَيرِهِم، والمَحرَمُ: هو مَن لا يجوزُ للمَرأةِ أنْ تتزوَّجَهُ؛ كالأبِ، والابنِ، والأخِ، والعمِّ بالتَّأبيدِ؛ ويكونَ بالِغًا عاقلًا ثِقَةً مأمونًا؛ ولا يَدخُلُ في المَحْرَمِ زوجُ الأختِ، ولا زوجُ العمَّةِ، ولا زوجُ الخالةِ، ونحوُهم ممَّن يَحِلُّ لهم الزَّواجُ منها لو فارَقَ زَوجتَهُ، ووجودُ الزَّوجِ أو المَحرَمِ معها ليس لِدَفْعِ الاعتِداءِ عنها إن حدَثَ فقَط، وإنَّما أيضًا لِدَفعِ الرِّيبةِ والشَّكِّ عنها.
وقد ثبَت أيضًا في صَحيحِ البُخاريِّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "لا يَحِلُّ لامرَأةٍ تُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ أنْ تُسافِرَ مَسيرةَ يومٍ وليلةٍ ليس معها حُرْمةٌ"؛ فقيلَ: إنَّ اختِلافَ المدَّةِ هو لاختِلافِ السَّائِلينَ، واختِلافِ مَواطنِهِم، وليس في النَّهيِ عن الثَّلاثةِ تَصْريحٌ بإباحةِ اليَومِ واللَّيلةِ، وليس في هذا كُلِّهِ تَحْديدٌ لأقلِّ ما يقَعُ عليه اسمُ السَّفرِ، ولم يَرِدْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَحْديدُ أقلِّ ما يُسمَّى سَفَرًا؛ فالحاصِلُ: أنَّ كُلَّ ما يُسمَّى سَفرًا تُنهَى عنه المرأةُ بغَيرِ زَوجٍ أو مَحرَمٍ، سواءٌ كان ثلاثةَ أيامٍ، أو يَومَينِ، أو يومًا، أو بَرِيدًا، أو غَيرَ ذلك