مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه632

مسند احمد

مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه632

حدثنا يزيد، أخبرنا القاسم بن الفضل الحداني، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: عدا الذئب على شاة، فأخذها فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال (2) ألا تتقي الله، تنزع مني رزقا ساقه الله إلي، فقال: يا عجبي (1) ذئب مقع على ذنبه، يكلمني كلام الإنس، فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه، حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي (2) : " أخبرهم " فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صدق والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما (3) أحدث (4) أهله بعده " (5)

بَعَثَ اللَّهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لدَعوةِ النَّاسِ للتَّوحيدِ وإخراجِ النَّاسِ مِن عِبادةِ الأصنامِ والأوثانِ إلى تَوحيدِ اللهِ تعالى وحدَه، وأيَّدَه اللهُ تعالى بالمُعجِزاتِ الدَّالَّةِ على صِدقِه وصِدقِ ما جاءَ به، ودَلائِلُ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَثيرةٌ، ومِنها أنَّ اللَّهَ أيَّدَه بشَهادةِ الحَيَواناتِ له على صِدقِ دَعوتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد أنطَقَ اللهُ الذِّئبَ حَتَّى يَشهَدَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في هذا الحَديثِ: أنَّه عَدا الذِّئبُ على شاةٍ، أي: اعتَدى عليها فأخَذَها، فطَلَبه الرَّاعي، أي: لَحِقَ الذِّئبَ راعيَ الغَنَمِ حَتَّى انتَزَعَ، أي: استَرَدَّ وأخَذَ مِنه الشَّاةَ، فأقعى الذِّئبُ على ذَنَبِه، أي: ذَيلِه، والمَقصودُ: ألصَقَ أليَتَه بالأرضِ ونَصَب ساقيه واعتَمَدَ على ذَنَبِه، أي: جَعله بَينَ رِجلَيه كما يَفعَلُ الكَلبُ، وقال للرَّاعي يُكَلِّمُه: ألَا تَتَّقي اللَّهَ، تَنزِعُ مِنِّي رِزقًا ساقَه اللهُ إليَّ؟! أي: عَلامَ تَأخُذُ مِنِّي هذه الشَّاةَ وهو رِزقٌ ساقَه اللهُ لي؟ فقال الرَّاعي: يا عَجَبي! ذِئبٌ مُقعٍ على ذَنَبِه يُكَلِّمُني كَلامَ الإنسِ! والمَعنى: أنَّ الرَّاعيَ تَعجَّب مِن كَلامِ الذِّئبِ، وهو شَيءٌ يَدعو للعَجَبِ؛ فإنَّه مِنَ المَعروفِ أنَّ الحَيَواناتِ لا تَتَكَلَّمُ بكَلامِ الإنسِ، فلَمَّا تَكَلَّمَ هذا الذِّئبُ كان ذلك مَحَلًّا للعَجَبِ. فلَمَّا سَمِعَ الذِّئبُ الرَّاعيَ يَقولُ ما قال، عِندَ ذلك قال الذِّئبُ: ألَا أُخبرُك بأعجَبَ مِن ذلك؟ أي: أُحَدِّثُك بشَيءٍ هو أعجَبُ مِن تَكَلُّمي ونُطقي مِثلَ الإنسِ. مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيَثرِبَ، وهو الاسمُ الذي كان للمَدينةِ في الجاهليَّةِ، وسُمِّيَت في الإسلامِ المَدينةَ، يُخبرُ النَّاسَ بأنباءِ ما قد سَبَقَ، أي: مِنَ الأُمَمِ السَّابقةِ وأحوالِهم مُخبرًا بها عنِ اللهِ تعالى مِن غَيرِ سَبقِ تَعَلُّمٍ مِنه لذلك، وإنَّما كان أعجَبَ؛ لأنَّ الإخبارَ بالغَيبِ مُعجِزةٌ، فهو أعجَبُ مِن نُطقِ حَيَوانٍ أنطَقَه مَن أنطَقَ كُلَّ شَيءٍ، وليس العَجَبُ واقِعًا على مُجَرَّدِ إخبارِه بذلك، بَل على جَحدِهم وتَكذيبِهم مَعَ ظُهورِ الآياتِ البَيِّناتِ على يَدَيه. فعِندَ ذلك أقبَل الرَّاعي يَسوقُ غَنَمَه حَتَّى دَخَلَ المَدينةَ، أي: ذَهَبَ بغَنَمِه حَتَّى قدِمَ المَدينةَ، فزَواها إلى زاويةٍ مِن زَواياها، أي: جَمَعَها وضَمَّها إلى ناحيةٍ مِن نَواحي المَدينةِ، ثُمَّ أتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرَه، أي: أخبَرَ الرَّاعي رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما حَصَلَ له مَعَ الذِّئبِ وبما قاله له الذِّئبُ. فعِندَ ذلك أمَر رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فنوديَ: الصَّلاةُ جامِعةٌ. وهذا كان عادةَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَ حُدوثِ أيِّ شَيءٍ مُهمٍّ أنَّه يَأمُرُ باجتِماعِ النَّاسِ ثُمَّ يُحَدِّثُهم بما جَمَعَهم له، ثُمَّ خَرَجَ رَسولُ اللهِ وقدِ اجتَمَعَ النَّاسُ، فقال للرَّاعي: أخبِرْهم، أي: أخبِرِ النَّاسَ بما شاهَدتَه ليُسَرُّوا ويَزدادوا إيمانًا، فأخبَرَهمُ الرَّاعي بما حَصَلَ له، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صَدَقَ، أي: صَدَقَ هذا الأعرابيُّ بما قال، وبأنَّه وجَدَ ذِئبًا يُكَلِّمُه. والذي نَفسي بيَدِه لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يُكَلِّمَ السِّباعُ -أي: سِباعُ الوَحشِ، كالأسَدِ، أو سِباعِ الطَّيرِ كالبازي، الإنسَ- أي: جِنسَ الإنسانِ مِنَ المُؤمِنِ والكافِرِ، ويُكَلِّمُ الرَّجُلَ عَذبةُ سَوطِه، أي: طَرَفُه، وهو سَيرٌ مَضفورٌ يُساقُ به الفرَسُ، وشِراكُ نَعلِه، والشِّراكُ: أحَدُ سُيورِ النَّعلِ التي تَكونُ على وَجهِها، ويُخبرُه فَخِذُه بما أحدَثَ أهلُه بَعدَه! أي: بما فعَلَ أهلُه في غَيبَتِه. والمَعنى: أنَّ هذه الأُمورَ مِن عَلامةِ قُربِ السَّاعةِ، فكَأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: لا تَعجَبوا مِن نُطقِ الذِّئبِ؛ فإنَّه لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ الحَيَوانُ والجَمادُ.
وفي الحَديثِ بَيانُ كَمالِ قُدرةِ اللهِ تعالى على جَعلِ الحَيَواناتِ تَتَكَلَّمُ.
وفيه مُعجِزةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه مَشروعيَّةُ التَّعَجُّبِ مِنَ الأشياءِ الخارِجةِ عن نِطاقِ العادةِ.
وفيه شَهادةُ الذِّئبِ بصِدقِ رِسالةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه مَشروعيَّةُ النِّداءِ عِندَ الاجتِماعِ بقَولِ: الصَّلاةُ جامِعةٌ.
وفيه تَصديقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرَّاعي.
وفيه أنَّ مِن أشراطِ السَّاعةِ تَكَلُّمَ الحَيَواناتِ والجَماداتِ .