مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه676
حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، عن أبي سعيد، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " سيخرج ناس من النار قد احترقوا وكانوا مثل الحمم، ثم لا يزال أهل الجنة، يرشون عليهم الماء، حتى ينبتون نبات الغثاء في السيل " (1)
مِن المسلِمين مَن يَدخُلُ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ، ولا تَكونُ له سابِقةُ عَذابٍ في النَّارِ، ومِنهم مَن يَدخُلُ الجنَّةَ بعدَ أن يُحاسَبَ، ومِنهم مَن يَدخُلُ الجنَّةَ بَعدَ أن يُعذَّبَ في النَّارِ إلى ما شاء اللهُ له أن يُعذَّبَ، ثمَّ يَخرُجُ مِنها، كما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ: "يُعذَّبُ ناسٌ مِن أهلِ التَّوحيدِ في النَّارِ"، أي: يَدخُلُ أُناسٌ مُسلِمون النَّارَ ممَّن ماتوا على عَقيدةِ التَّوحيدِ، وأقَرُّوا بشهادةِ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، فيُعذَّبون على ما ارتَكَبوه مِن صغائرَ أو كبائرَ، "حتَّى يَكونوا فيها حُمَمًا"، أي: حتَّى يَصيروا فيها مِن شِدَّةِ العذابِ فَحمًا مُحترِقًا، ويَصيرَ لونُهم أسوَدَ، "ثُمَّ تُدرِكُهم الرَّحمةُ"، أي: تَلحَقُهم رحمةُ اللهِ تعالى، "فيُخرَجون"، أي: مِن النَّارِ، "ويُطرَحون"، أي: يُلقَون على أبوابِ الجنَّةِ، قال: "فيَرُشُّ عليهم أهلُ الجنَّةِ"، أي: يَصُبُّون ويُفِيضون عليهم "الماءَ"، وهو ماءُ الحياةِ، "فيَنبُتون"، أي: يَحْيَون ويَنْجُون، "كما يَنبُتُ الغُثاءُ"، وهي ما يَنبُتُ على جَوانِبِ الأنهارِ مِن عُشبٍ في حِمَالةِ السَّيلِ"، أي: ما يَحمِلُه السَّيلُ مِن طِينٍ، فإذا كان فيه حبَّةٌ واستَقرَّت فإنَّها تَنبُتُ بسُرعةٍ، وشبَّه نَباتَهم بذلك لأنَّه أسرَعُ في الإنباتِ، "ثمَّ يَدخُلون الجنَّةَ"، أي: ثمَّ يَكونُ مآلُهم إلى الجنَّةِ.
وفي الحديثِ: بيانُ سَعةِ رَحمةِ اللهِ تعالى.
وفيه: بَيانُ وُقوعِ الحِسابِ والعَذابِ على بَعضِ المسلِمين في الآخِرَةِ، وأنَّ اللهَ يُخرِجُهم بعدَ ذلك برَحمتِه إلى الجنَّةِ.