مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه710
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق (3) يكون له في الدنيا، بأشد مجادلة له، من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار " قال: " يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا فأدخلتهم النار " قال: فيقول: " اذهبوا فأخرجوا (1) من عرفتم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا أخرجنا من أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه مثقال ذرة ". قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا، فليقرأ هذه الآية: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} [النساء: 40] قال: " فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير " قال: " ثم يقول الله: شفعت الملائكة، وشفع الأنبياء، (2) وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين "، قال: " فيقبض قبضة من النار، - أو قال: قبضتين - ناس لم يعملوا لله خيرا قط قد احترقوا حتى صاروا حمما "، قال: " فيؤتى بهم إلى ماء يقال له: ماء الحياة، فيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ، في أعناقهم الخاتم: عتقاء الله "، قال: " فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فماتمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم عندي أفضل من هذا "، قال: " فيقولون: ربنا وما أفضل من ذلك؟ " قال: " فيقول رضائي عليكم فلا أسخط عليكم أبدا " (1)
قال أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "فمَن لم يُصَدِّقْ هذا الحديثَ، فلْيقْرَأْ قولَه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40]؛ فهذه الشَّفاعةُ مِن رَحمةِ اللهِ وفضْلِه.
"قال: فيَقولون: ربَّنا، قد أخْرَجْنا مَن أمَرْتَنا، فلم يَبْقَ في النَّارِ أحدٌ فيه خيرٌ، قال: ثمَّ يقولُ اللهُ: شفَعَتِ الملائكةُ، وشفَعَتِ الأنبياءُ، وشفَعَ المُؤمِنون، وبقِيَ أرحَمُ الرَّاحمينَ، قال: فيَقبِضُ قبْضةً مِن النَّارِ- أو قال: قَبْضتينِ- ناسًا لم يَعمَلوا للهِ خيرًا قطُّ، قدِ احْتَرَقوا حتَّى صاروا حُمَمًا"، أي: أصْبَحوا فَحمًا مُحترِقًا، "قال: فيُؤتى بهم إلى ماءٍ يُقالُ له: الحياةُ"، أي: اسْمُه: الحياةُ، "فيُصَبُّ عليهم، فيَنْبُتون كما تَنبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيلِ"، وهو ما يَحمِلُه السَّيلُ مِن تُربةٍ ضَعيفةٍ، فيَنبُتُ نَباتُها في سُرعةٍ مع ضَعفٍ، فتَخرُجُ هذه النَّباتاتُ- لِضَعفِها- صَفراءَ مُلتويةً، ثمَّ تَشتَدُّ قُوَّتُهم بعدَ ذلك، "قد رأيْتُموها إلى جانبِ الصَّخرةِ، وإلى جانبِ الشَّجرةِ؛ فما كان إلى الشَّمسِ منها كان أخضَرَ، وما كان منها إلى الظِّلِّ كان أبيضَ، "قال: فيُخرِجون مِن أجسادِهم مِثْلَ اللُّؤلؤِ، وفي أعناقِهم الخاتمُ- وفي رِوايةٍ: الخواتمُ-: عُتقاءُ اللهِ"، أي: هؤلاء عُتقاءُ اللهِ مِن النَّارِ، "قال: فيُقالُ لهم: ادْخُلوا الجنَّةَ؛ فما تَمنَّيْتُم ورأيْتُم مِن شَيءٍ، فهو لكم ومِثْلُه معه، فيقولُ أهْلُ الجنَّةِ: هؤلاء عُتقاءُ الرَّحمنِ، أدخَلَهُم الجنَّةَ بغَيرِ عمَلٍ عمِلُوه ولا خيرٍ قدَّموهُ، قال: فيَقولون: ربَّنا، أعْطَيتنا ما لم تُعطِ أحدًا مِن العالمينَ!" وهذا ظَنُّهم؛ مِن عظيمِ ما أعطاهُم اللهُ، "قال: فيقولُ: فإنَّ لكم عندي أفضَلَ منه، فيقولون: ربَّنا، وما أفضَلُ مِن ذلك؟ قال: فيقولُ: رِضائي عنكم، فلا أسخَطُ عليكم أبدًا"، وهذا مِن فضْلِ الله عليهم، وبسَببِه يكونون في نَعيمٍ دائمٍ.
وفي الحديثِ: إثباتُ شَفاعةِ المَلائكةِ والأنبياءِ، ثمَّ شفاعةِ الصَّالحينَ مِن المُؤمنينَ، وإلْحاحِهم إلى اللهِ تعالى لإخراجِ إخوانِهم مِن النَّارِ.
وفيه: بَيانُ سَعَةِ رَحمةِ اللهِ وفضْلِه على عِبادِه.
وفيه: أنَّ عُصاةَ المُسلمينَ إنْ عُذِّبوا على قَدْرِ مَعاصيهم، يُخْرِجُهم اللهُ مِن النَّارِ بفَضْلِه، ثمَّ بشَفاعةِ الشَّافعينَ.