مسند أبي هريرة رضي الله عنه 350
مسند احمد
وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فهو لي، وأنا أجزي به، إنما يترك طعامه وشرابه من أجلي، فصيامه لي وأنا أجزي به، كل حسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلا الصيام، فهو لي، وأنا أجزي به "
الصِّيامُ مِن أحَبِّ العباداتِ إلى اللهِ، وأجَلِّ القُرُباتِ الَّتي يَتقرَّبُ بها العبدُ لرَبِّهِ عزَّ وجلَّ؛ ولذلك فإنَّ أجرَهُ كَبيرٌ، وفَضْلَهُ عَظيمٌ، وكَرامةُ اللهِ للصَّائمينَ لا تَنقطِعُ؛ فإنَّهم حَرَمُوا أنْفُسَهم الطَّعامَ والشَّرابَ والشَّهوةَ، فأَعْطاهمُ اللهُ سُبحانَه وتعالَى مِن واسِعِ عَطائِه، وفضَّلَهم على غَيرِهم
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ كُلَّ شَيءٍ يَعمَلُهُ الإنْسانُ المسلِمُ مِن وُجوهِ الخيرِ والبِرِّ والطَّاعةِ، يُضاعَفُ أجْرُه وثَوابُه، فتكونُ الحَسنةُ فيهِ بعَشرِ أمْثالِها، إلى سَبْعِ مِائةِ ضِعْفٍ، كما في قولِ اللهِ تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وقولِه عزَّ وجلَّ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261]
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: «إلَّا الصَّومَ؛ فإنَّه لي»، أي: إنَّ الصَّومَ مُسْتَثنًى مِن هذه الأعْمالِ الَّتي تَتضاعَفُ فيها الحَسَناتُ، بلْ ثَوابُ الصَّومِ لا يَقْدِرُ قَدْرَه إلَّا اللهُ تعالَى؛ ذلك لأنَّ الصَّومَ سِرٌّ بيْنَ العبدِ ورَبِّهِ، «وأنا أَجْزي به»، أي: إنَّ اللهَ تعالى هو الَّذي يَتولَّى ذلك الأجرَ والثَّوابَ، فثَوابُ الصِّيامِ لا يُحْصِيه إلَّا اللهُ تعالَى، ولم يَكِلْه تعالَى إلى مَلائكتِه، بلْ تَولَّى جَزاءَه تعالَى بنفْسِه، واللهُ تعالَى إذا تَولَّى شَيئًا بنفْسِه دلَّ على عِظَمِ هذا الثَّوابِ وذلك الأجْرِ؛ ذلك أنَّ العبدَ الصَّائمَ يَترُكُ ما تَشتَهِيه نَفْسُه وما أباحَه اللهُ سُبحانَه له مِن مَلَذَّاتِ الطَّعامِ والشَّرابِ والجِماعِ، طاعةً للهِ عزَّ وجلَّ، وطَمَعًا في نَيْلِ محبَّتِه ورِضاه
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الصَّائِمَ يَفرَحُ مرَّتينِ؛ الفَرحةُ الأُولى: «فَرْحةٌ عِندَ فِطْرِهِ»، وهذه الفَرحةُ تكونُ في الدُّنيا، عِندَ انْتهاءِ صَومِهِ وإفْطارِهِ، وإتْمامِهِ العِبادةَ راجيًا مِنَ اللهِ الثَّوابَ والفضلَ، والفَرحةُ الثَّانيةُ تكونُ عِندَ مَوْتِهِ، حيث يَنالُ الأجرَ والثَّوابَ
ثُمَّ أقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ خُلوفَ فَمِ الصَّائمِ -والخُلوفُ هو ما يُخَلَّفُ بعْدَ الطَّعامِ في فَمِ الصَّائِمِ مِن رائِحةٍ كَريهةٍ بِخِلافِ المُعْتادِ- «أَطْيَبُ»، أي: أفضَلُ عندَ اللهِ مِن رائحةِ المِسكِ، وقدِ اخْتُلِفَ في كَوْنِ الخُلوفِ أطْيَبَ عِندَ اللهِ مِن رِيحِ المِسكِ، على أنَّ المَعنى أنَّه أطْيَبُ عِندَ اللهِ مِن رِيحِ المِسكِ عِندَكم، أو أنَّ اللهَ تعالَى يَجْزيه في الآخِرةِ حتَّى تكونَ رائحتُهُ أطيَبَ مِن رِيحِ المِسكِ، أو أنَّ صاحِبَ الخُلوفِ يَنالُ مِنَ الثَّوابِ ما هو أفضلُ مِن رِيحِ المسكِ، أو أنَّ الخُلوفَ أكثَرُ ثَوابًا مِنَ المِسكِ حيث نُدِبَ إليه في الجُمَعِ والأعيادِ، أو أنَّ الملائكةَ يَسْتَطيبونَ رِيحَ الخُلوفِ أكثَرَ ممَّا يَسْتَطيبونَ رِيحَ المِسكِ
وفي الحَديثِ: بَيانُ أَجْرِ وفضْلِ الصَّومِ