مسند أبي هريرة رضي الله عنه 361

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 361

 حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا عقيل بن معقل، عن همام بن منبه، قال: قدمت المدينة، فرأيت حلقة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت، فقيل لي: أبو هريرة. قال: فسلمت، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل اليمن. فقال: سمعت حبي، أو قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «الإيمان يمان، والحكمة يمانية، هم أرق قلوبا، والجفاء في [ص:474] الفدادين، أصحاب الوبر» وأشار بيده نحو المشرق

مدَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهلَ اليَمَنِ؛ لمُسارَعتِهم إلى الدَّعْوةِ، ومُبادَرَتِهم إلى قَبولِ الإيمانِ؛ فإنَّهمُ اسْتَجابوا للإسْلامِ بدونِ مُحارَبةٍ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ الصَّحابةَ الكِرامَ رَضيَ اللهُ عنهم أنَّه قدْ جاءَهُم أهلُ اليَمنِ، ثمَّ وصَفَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّهم أرَقُّ أفْئدةً، يَعني: أكثَرَ رِقَّةً وتَسمُّعًا للمَوْعِظةِ وتَقبُّلِها، «وأليَنُ قُلوبًا»، ولِينُ قُلوبِهم يدُلُّ عليه سُرعةُ دُخولِ الإيمانِ، وتَمكُّنُه في قُلوبِهم
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «الإيمانُ يَمانٍ، والحِكْمةُ يَمانيَةٌ»، يَعني: أنَّ الإيمانَ والحِكْمةَ تُنسَبُ إلى أهْلِ اليَمَنِ؛ لانْقيادِهم إلى الإيمانِ مِن غَيرِ تَكلُّفٍ، أوِ المُرادُ منه وَصفُ أهلِ اليَمَنِ بكَمالِ الإيمانِ، وكَمالِ الحِكْمةِ؛ فقُلوبُهم مَعادِنُ الإيمانِ ويَنابيعُ الحِكْمةِ، وقيلَ في مَعنى الحِكْمةِ: إنَّها عِبارةٌ عنِ العِلمِ المُشتَمِلِ على مَعرِفةِ اللهِ تعالَى، المَصْحوبِ بنَفاذِ البَصيرةِ، وتَهْذيبِ النَّفْسِ، وتَحْقيقِ الحقِّ، والعَملِ به، والصَّدِّ عنِ اتِّباعِ الهَوى والباطِلِ، والحَكيمُ مَن له ذلك. وقدْ كانوا دائمًا أهلَ مَدَدٍ للمُسلِمينَ في جَميعِ الحُروبِ والفُتوحاتِ، منذُ حُروبِ الرِّدَّةِ؛ فحارَبوا معَ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه، وجاؤوا أمْدادًا في عَهدِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أيضًا، ومعَهم أُوَيْسُ بنُ عامرٍ القَرَنيُّ
ثمَّ أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الفَخرَ -وهوَ تَعْدادُ مَحاسِنِ الآباءِ على حسَبِ أعْرافِ الجاهِليَّةِ- والخُيَلاءَ وهو التَّعالي والتَّكبُّرُ على النَّاسِ- في أصْحابِ الإبِلِ، قيلَ: إنَّما ذمَّ هؤلاء؛ لاشْتِغالِهم بمُعالَجةِ ما همْ عليه عن أُمورِ دِينِهم، وتَلَهِّيهم عن أمرِ الآخِرةِ، وتكونُ منها قَساوةُ القَلبِ ونَحوُها. وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ السَّكينةَ والوَقارَ -يَعْني: المَسْكَنةَ والخُضوعَ، أوِ الأَناةَ والحِلمَ- مَوْجودانِ فيمَن يَرعَوْنَ الغَنمَ
وفي الحَديثِ: أنَّ مُخالَطةَ الحَيَوانِ تُؤثِّرُ على طِباعِ مَن يُخالِطُها
وفيه: فَضيلةُ أهلِ اليَمَنِ
وفيه: تَفاضُلُ النَّاسِ في الإيمانِ ومَكارِمِ الأخْلاقِ
وفيه: التَّحْذيرُ مِن الكِبرِ والخُيَلاءِ
وفيه: التَّرْغيبُ في التَّواضُعِ