مسند أبي هريرة رضي الله عنه 698

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 698

 حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، أخبرنا يزيد بن كيسان: استأذنت على سالم بن أبي الجعد، وهو يصلي، فسبح بي، فلما سلم قال: «إن إذن الرجل إذا كان في الصلاة أن [ص:273] يسبح، وإن إذن المرأة أن تصفق»

من طُرُقِ طَلَبِ العِلمِ والحَديثِ عِندَ السَّلَفِ سُؤالُ أهلِ العِلمِ عَمَّا أشكَلَ عليهم من مَسائِلِ العِلمِ، كُلُّ ذلك حرصًا منهم على العِلمِ وعلى التَّفقُّهِ في الدِّينِ، وكان العُلماءُ من الصَّحابةِ والتَّابعينَ يُجيبونَ مَن سَألهم عن ذلك بما أخَذوه وتَلقَّوه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم

وفي هذا الحَديثِ بَعضُ المَسائِلِ سَألها أنَسُ بنُ سِيرينَ -وهو أحَدُ التَّابعينَ أخو مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ- ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وهي مَسائِلُ مُتَعلِّقةٌ بالصَّلاةِ والحَجِّ والأخذِ في الدَّينِ بأكثَرَ ممَّا أخَذَ، فيَقولُ لابنِ عُمَرَ: هل يَصِحُّ أن أقرَأَ خَلفَ الإمامِ في الصَّلاةِ، وكأنَّه يَعني بذلك قِراءةَ الفاتِحةِ؛ لأنَّ قِراءةَ الفاتِحةِ رُكنٌ من أركانِ الصَّلاةِ، ولكن هل يَشمَلُ هذا القراءةَ في الصَّلاةِ مَعَ الإمامِ أم أنَّ قِراءةَ الإمامِ قِراءةٌ لمَن خَلفَه؟ فقال له ابنُ عُمَرَ: إنَّه تُجزِئُه قِراءةُ الإمامِ
ثمَّ سَأله عن الإطالةِ في القِراءةِ في رَكعَتي سُنَّةِ الفَجرِ، فأرادَ ابنُ عُمَرَ أن يُبَيِّنَ له تفصيلًا أكثَرَ في هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في صَلاةِ اللَّيلِ، ثمَّ رَكعَتي الفجرِ، فقال له: كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصَلِّي صَلاةَ اللَّيلِ مَثنى مَثنى، فقاطَعَه ابنُ سيرينَ: إنِّي لم أسأَلْك عن صَلاةِ اللَّيلِ، وإنَّما عن رَكعَتي الفجرِ، فقال له ابنُ عُمَرَ: إنَّك لضَخمٌ؛ إشارةً منه إلى البلادةِ والغَباوةِ وسوءِ الأدَبِ؛ لمُداخَلتِه له في الكَلامِ وتَركِه تَمامَه، وقَطعِه عليه، فهو يُريدُ أن يَبدَأَ الحَديثَ من هَديِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قيامِ اللَّيلِ وأنَّه كان يُصَلِّي في اللَّيلِ مَثنى مَثنى، أي: رَكعَتَينِ رَكعَتَينِ وهَكَذا، فإذا خَشيَ -أي: خاف- قُربَ طُلوعِ الفَجرِ أوتر برَكعةٍ حتَّى يَكونَ آخِرَ صَلاتِه باللَّيل الوِترُ، ثمَّ يَستَلقي ويَضَعُ رَأسَه على الفِراشِ حتَّى يَرتاحَ قليلًا من قيامِ اللَّيلِ؛ فقد يَكونُ نام وقد يَكونُ لم يَنَمْ، وإنَّما يَنتَظِرُ أذانَ الفجرِ، فإذا أُذِّنَ صَلَّى رَكعَتي الفجرِ رَكعَتَينِ خَفيفتَينِ حتَّى كأنَّ الأذانَ في أذُنَيه، أي: من شِدَّةِ تَخفيفِ الرَّكعَتَينِ، والمُرادُ: بالأذانِ هنا الإقامةُ؛ لأنَّه عن هذا كان سُؤالُ السَّائِلِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّه لم يَكُنْ هناكَ تَطويلٌ لرَكعَتي الفجرِ
ثمَّ سَأله عَمَّن أوصى بمالِه في سَبيلِ اللهِ، هل يَتَعَيَّنُ إنفاقُه في الجِهادِ أم يَجوزُ في الحَجِّ أيضًا؟ فأجابَ: بأنَّ الحَجَّ من سَبيلِ اللهِ، وأنَّ سَبيلَ اللهِ عامٌّ يَشمَلُ الجِهادَ والحَجَّ أيضًا
ثمَّ سَأله عَمَّن فاتَته رَكعةٌ مَعَ الإمامِ متى يَقومُ لقَضائِها: هل قَبل أن يَقومَ الإمامُ من مَجلسِه بَعدَ الانتِهاءِ من الصَّلاةِ؟ فقال ابنُ عُمَر: إنَّه يَقومُ إذا سَلَّمَ الإمامُ؛ لأنَّه بسَلامِ الإمامِ انتَهى الاقتِداءُ بالإمامِ
ثمَّ سَأله عَمَّن أخَذَ مالَ دَينِه الذي على النَّاسِ أكثَرَ ممَّا أعطاهم؟
فأجابَه بأنَّ هذا من الغَدرِ، والغادِرُ هو الذي يَقولُ قَولًا ولا يَفي به، فتُنصَبُ له رايةٌ عِندَ دُبُرِه يَومَ القيامةِ، وذلك لأنَّ القَرضَ إحسانٌ وبرٌّ وتَنفيسٌ عن المَكروبِ، فإذا أخَذَ أكثَرَ ممَّا أعطى فقد ناقَضَ فعلُه قَولَه، فكان غادِرًا، واستَحَقَّ هذه العُقوبةَ يَومَ القيامةِ
وفي الحَديثِ: أنَّ قِراءةَ الإمامِ قِراءةٌ لمَن خَلفَه
وأنَّ قيامَ اللَّيلِ رَكعَتَينِ رَكعَتَينِ
وفيه أنَّ رَكَعَتي الفجرِ تَكونُ خَفيفةً جِدًّا
وفيه أنَّ الحَجَّ من سَبيلِ اللهِ
وفيه أنَّ انتِهاءَ صَلاةِ الإمامِ يكونُ بتَسليمِه، وللمَأمومِ بَعدَها القيامُ لإكمالِ ما فاتَه
وفيه أنَّ أخذَ الزِّيادةِ أكثَرَ من الدَّينِ من الغَدرِ
وفيه أهَمِّيَّةُ سُؤالِ أهلِ العِلمِ فيما استُشكِل على المُتَعلِّمِ
وفيه أنَّ من آدابِ طالِبِ العِلمِ عَدَمَ مُقاطَعةِ شَيخِه في حَديثِه، والصَّبرَ حتَّى يَنتَهيَ من إكمالِ دَرسِه
وفيه جَوابُ السَّائِلِ بأكثَرَ ممَّا سَأل عنه إذا كان ممَّا يُحتاجُ إليه