مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1021
مسند احمد
حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حميد، عن أنس، أن أم سليم أخذت بيده مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فقالت: " يا رسول الله، هذا أنس ابني، وهو غلام كاتب " قال أنس: " فخدمته تسع سنين فما قال لي لشيء صنعته: أسأت، أو بئس ما صنعت " (2)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَيِّبَ الشَّمائلِ حَسَنَ العِشرةِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "خدَمْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عشْرَ سِنينَ، فما قال لي: أفٍّ قطُّ" و"أُفٍّ" كَلمةُ تَبرُّمٍ، أيْ: إنَّه لم يَتضجَّرْ منِّي في شَيءٍ قطُّ، "وما قال لي لِشَيءٍ صَنعْتُه: لِمَ صَنعتَه؟ ولا لِشَيءٍ تَركْتُه: لِمَ تَركْتَه؟"، والمعْنى: لمْ يقُلْ لِشَيءٍ صَنعْتُه مِن نفْسِي مِن غَيرِ أمْرٍ به: لِمَ صَنعْتَه؟ ولا لِشَيءٍ لمْ أصْنَعْهُ، وكنْتُ مأمورًا بِه: لِمَ لمْ تَصنَعْه؟ بالتَّوبيخِ أو اللَّومِ على ترْكِ الفِعلِ، وتَرْكُ اعتراضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أنسٍ رضِيَ اللهُ تعالى عنه فيما خالَفَ أمْرَه، محمولٌ على ما يَتعلَّقُ بالخِدمةِ لا فيما يَتعلَّقُ بالتَّكاليفِ الشَّرعيَّةِ؛ فإنَّه لا يجوزُ ترْكُ الاعتراضِ فيه، ويُفهَمُ منه: أنَّ أنَسًا لم يَرتكِبْ أمْرًا يَتوجَّهُ إليه فيه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اعتراضٌ.
قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان رسولُ اللهِ مِن أحسَنِ النَّاس خُلقًا"، أي: كان أفضَلَ النَّاسِ اتِّصافًا بمعالي الأخلاقِ قَولًا وعملًا مع كُلِّ الخَلْقِ حتَّى مع الحَيواناتِ والجَماداتِ؛ وذلك لكونِه أكملَ النَّاسِ إيمانًا.
وحُسنُ الخُلقِ مِن صِفاتِ الأنبياءِ والأولياءِ الصَّالحين، وهو اعتِدالُ الأخلاقِ بَينَ طَرفي مَذمومِها، ومُخالَفةُ النَّاسِ بالجميلِ منها، والبِشرُ والتودُّدُ لهم، والإشفاقُ عليهم، والاحتمالُ والحِلمُ والصَّبرُ فى المكارهِ، وتَركُ الاستطالةِ والكِبرِ على الناسِ والمؤاخذةِ، واستعمالِ الغضبِ، والسَّلاطةِ والغِلظةِ.
قال: "ولا مَسِسْتُ خَزًّا ولا حريرًا ولا شَيئًا كان ألْينَ مِن كفِّ رسولِ اللهِ"، وهذا مِن تَمامِ صِفاتِه الجَسديَّةِ؛ فقد كان جَميلَ الجِسمِ والجِلْدِ مع القُوَّةِ والفُتوَّةِ، "ولا شمَمْتُ مِسْكًا قطُّ ولا عِطْرًا كان أطيَبَ مِن عرَقِ النَّبيِّ"، وهذا أيضًا مِن حُسنِ شَمائلِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.