‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1038

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1038

حدثنا يزيد، أخبرنا حميد، عن أنس، أن عمه غاب عن قتال بدر، فقال: " غبت عن أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، لئن الله أشهدني قتالا للمشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه -، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء " يعني المشركين، ثم تقدم فلقيه سعد لأخراها دون أحد، - وقال يزيد ببغداد: بأخراها دون أحد - فقال سعد: أنا معك، قال سعد: فلم أستطع أن أصنع ما صنع، فوجد فيه بضع وثمانون من بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، قال: فكنا نقول فيه وفي أصحابه نزلت: {فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} [الأحزاب: 23] (2)

كان الصَّحابةُ يلاحظون أفعالَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في كلِّ أحوالِه، فيستنُّون بهَدْيِه، وخاصَّةً في العِباداتِ، وينقُلون عنه كلَّ التَّفاصيلِ؛ حتَّى يَتعلَّموا ويُعلِّموا مَن بعدَهم، وفي هذا الحديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: "ما صلَّيْتُ خلفَ أحدٍ أوجزَ صلاةً مِن صلاةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في تمامٍ"، أي: ما صلَّيْتُ صلاةً خفيفةً وموجزةً مع إتمامِ هيئاتِها وأركانِها وعدمِ الإخلالِ فيها، مِن الصلاةِ وراءَ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد "كانت صلاتُه متقاربةً"، أي: متقاربةً في طولِها وقِصَرِها، وفي إعطاءِ كلِّ ركنٍ وحَركةٍ حقَّها، "وكانتْ صلاةُ أبي بكرٍ متقاربةً"، أي: وكذلك كانت صلاةُ أبي بكرٍ مِثلَ صلاةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في طُولِها وقِصَرِها وتَقارُبِها، "فلمَّا كان عمرُ بنُ الخطَّابِ مدَّ في صلاةِ الفجرِ"، أي: أطالَ في صلاةِ الفجرِ؛ ولعلَّ ذلك لحِكمةٍ رآها عمرُ؛ حتَّى يُدرِكَ المُتأخِّرُ، ويستيقظَ النَّائمُ، وليس مخالفةً لسنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد كان مِن سنَّتِه أيضًا مراعاةُ الأحوالِ.
وكان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا قال: "سَمِع اللهُ لِمَن حَمِده، قام حتَّى نقولَ: قد أوهَم"، أي: يقفُ بعد الرَّفعِ مِن الرُّكوعِ وقوفًا طويلًا للدُّعاءِ، حتَّى يظُنَّ مَن وراءَه أنَّه قد نَسِيَ في صلاتِه، وما كان ذلك وهمًا ولا نسيانًا مِن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، بل هي سنَّتُه في الصَّلاةِ، "ثمَّ يسجُدُ ويقعُدُ بين السَّجدتينِ حتَّى نقولَ: قد أوهَم"، أي: يقعُدُ ويُطيلُ القعودَ بين السَّجدتينِ، ويدعو حتَّى يظُنَّ مَن وراءَه أنَّه قد نَسِيَ في صلاتِه.
وفي الحديثِ: مُحافظةُ الصَّحابةِ على سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهَدْيِه في الصَّلاةِ، مع مُراعاةِ أحوالِ النَّاس.