‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1202

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1202

حدثنا أبو سعيد، حدثنا شداد أبو طلحة، حدثنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن جده، قال: أتت الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم بجماعتهم فقالوا: إلى متى ننزع من هذه الآبار؟ فلو أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا الله لنا، ففجر لنا من هذه الجبال عيونا، فجاءوا بجماعتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآهم قال: " مرحبا وأهلا لقد جاء بكم إلينا حاجة "، قالوا: إي والله يا رسول الله، فقال: " فإنكم لن تسألوني اليوم شيئا إلا أوتيتموه، ولا أسأل الله شيئا إلا أعطانيه ". فأقبل بعضهم على بعض فقالوا: الدنيا تريدون اطلبوا الآخرة، فقالوا بجماعتهم: يا رسول الله، ادع الله لنا أن يغفر لنا، فقال: " اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار " قالوا: يا رسول الله، وأولادنا من غيرنا قال: " وأولاد الأنصار " قالوا: يا رسول الله وموالينا قال: " وموالي الأنصار " (1) قال: وحدثتني أمي، عن أم الحكم بنت النعمان بن صهبان (2) أنها سمعت أنسا يقول: عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل هذا غير أنه زاد فيه: " وكنائن الأنصار " (3)

لَمَّا بُويعَ يَزيدُ بنُ مُعاويةَ لم يُبايِعْ أهلُ المدينةِ وامتنَعُوا عَنِ البَيعةِ؛ لِمَا رأَوْه مِن عدَمِ أحقِّيَّتِه بِالخلافةِ، فأرْسَلَ إليهم يَزيدُ بنُ مُعاويةَ مُسلِمَ بنَ عُقبةَ في جَيشٍ كَبيرٍ سَنةَ ثَلاثٍ وسِتِّينَ مِنَ الهِجرةِ، فهزَمَهم وقَتَلَ مِنَ الأنصارِ عددًا كبيرًا جدًّا، واستَباحَ المَدينةَ ثَلاثةَ أيَّامٍ، وعُرفَتْ هذه المعركةُ بمَعركةِ الحَرَّةِ، وهي الحَرَّةُ التي في شَرقِيِّ المَدينةِ، والحَرَّةُ: كُلُّ أرضٍ ذاتُ حِجارةٍ سَوداءَ.

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أَنسُ بن مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه حَزِن على مَن أُصيبَ مِنَ الأنصارِ في يومِ الحَرَّةِ لَمَّا بلغه ما حدث، وكان رَضِيَ اللهُ عنه يومَئذٍ بِالبَصرةِ، فكتَبَ إليه زيدُ بنُ أرقمَ رضِيَ اللهُ عنه لَمَّا بلَغَه شِدَّةُ حزنِ أنسٍ رضِيَ الله عنه -وأرادَ أنْ يُعزِّيَه ويُسلِّيَه في مُصابِه- فذَكر له أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: «اللَّهمَّ اغفرْ لِلأنصارِ ولأبناءِ الأنصارِ، ولأبناءِ أبناءِ الأنصارِ»، وهم أهلُ المدينةِ، وقد شَكَّ عبدُ اللهِ بنُ الفَضلِ -راوي الحديثِ عَن أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه- في قولِه: «ولأبناءِ أبناءِ الأنصارِ»، أي: لا يَذكُرُ أثابِتةٌ هيَ أم لا؟ وقد ثَبتتْ في غيرِ هذه الرِّوايةِ؛ رواها النَّضرُ بنُ أنسٍ عَن زيدِ بنِ أرقمَ رضِي اللهُ عنه أيضًا عند مُسلمٍ في صَحيحِه؛ فلا يَضُرُّ شَكُّه فيها. ومغزَى تَعزيةِ زَيدِ بنِ أرقمَ أنَسًا رضِي اللهُ عنهما بتَذكيرِه بهذا الحديثِ: أنَّ الَّذي يَصيرُ إلى مَغفرةِ اللهِ لا يَشتدُّ الحزنُ عليه، فكانَ ذلكَ تَعزيةً لِأنسٍ رضِي اللهُ عنه فيهم.

فسَألَ بعضُ الحاضرِينَ -قيل: النَّضرُ بنُ أنسٍ- أنسًا رضِي اللهُ عنه عَن زيدِ بن أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: «هو الَّذي يقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هذا الَّذي أَوْفى اللهُ له بأُذُنِه»، ففي الصَّحيحينِ: أنَّ زيدَ بنَ أرقمَ رضِيَ اللهُ عنه لَمَّا حَكَى لِرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قولَ عبدِ اللهِ بنِ أبيٍّ ابنِ سلولَ لِأصحابِه: لا تُنْفِقُوا على مَن عِندَ رَسولِ اللهِ، قال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لعلَّه أخطأَ سَمْعُك»، فقال زيدٌ رضِي اللهُ عنه: لا، فلمَّا نزَلَ قولُه تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7]، لحِقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زيْدًا رضِي اللهُ عنه مِن خلْفِه، فعَرَكَ أُذُنَه، أي: دَلَكَها وحَكَّها، وقال: «وَفَتْ أُذنُك يا غلامُ»، أي: صَدقَتْ، فهذا مُرادُ أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه بقولِه: «هذا الَّذي أَوْفَى اللهُ له بأُذُنِه»، وأشارَ أنسٌ بهذا إلى صِدقِ زيدٍ في تَحديثِه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

وفي الحَديثِ: فضيلةُ أنسِ بنِ مالكٍ وزَيدِ بنِ أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عنهما. 

وفيه: فَضلُ الأنصارِ وأبناءِ الأنصارِ.