مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1239
مسند احمد
حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدثنا ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن طير الجنة كأمثال البخت، ترعى في شجر الجنة " فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن هذه لطير ناعمة، فقال: " أكلتها أنعم منها " قالها ثلاثا " وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر "
أَكرَم اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وخَصَّه بأشياءَ كثِيرةٍ في الدُّنيا والآخِرةِ دُون غيرِه، ومِن هذه الأشياءِ الَّتي أعْطاها اللهُ عزَّ وجَلَّ لنبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نهْرُ الكَوْثَرِ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أنَسٌ رَضِي اللهُ عَنه: سُئلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما الكَوْثَرُ؟"، أي: المذكورُ في السُّورَةِ، وسمِّي بالكَوثَرِ لكثْرةِ مَائِه وآنيَتِه، وعِظَمِ بركَتِه وخيْرِه وقَدْرِه، حتَّى جاء في وصْفِه أنَّ طولَه شهْرٌ، وعَرْضَه شهْرٌ، وماءَه أشَدُّ بياضًا مِن اللَّبَنِ، وأحْلَى مِن العسَلِ، وآنِيَتَه كنُجومِ السَّماءِ في كَثرَتِها واستِنارَتِها، مَن شرِبَ منه شَرْبَةً لَم يَظمَأْ بعدَها أبدًا، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ذاك نهْرٌ أعطانِيهِ اللهُ- يَعني في الجنَّةِ- أشَدُّ بَياضًا مِن اللَّبَنِ وأحلَى مِن العسَلِ، فيه طيرٌ أعْناقُها"، أي: رقبَتُها؛ وهي ما بيْنِ الرَّأْسِ والجسَدِ، "كأعْناقِ الجُزُرِ"، أي: البَعيرِ، "قال عمَرُ"، أي: ابنُ الخطَّابِ: "إنَّ هذه"، أي: الطَّيرَ "لناعِمَةٌ"، أي: في ترَفٍ ورَفاهِيةً ورَخاءٍ، فرَدَّ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقال: "أكَلَتُها أنعَمُ منها"، أي: إنَّ مَن يأكُلُها في ترَفٍ ونعْمَةٍ أكثَرَ منها، وهم مَن يَدخُلون الجنَّةَ، فتلك الأشياءُ - مِن الطُّيورِ وغيْرِها - ستَكونُ لَهُم، وقيل: إنَّ الكَوثَرَ معناه الخيْرُ الكثِيرُ الَّذي جمَعه اللهُ تعالى لنبيِّهِ في الآخرَةِ، ويدخُلُ فيه الكَوثَرُ والحوْضُ، وقيل: الكَوثَرُ حوْضٌ أُعطِيَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الجنَّةِ وليس نهْرًا، ولكنَّ هذا الحديثَ يدُلُّ على أنَّ الكَوثَرَ نهْرٌ، ويُمكِنُ الجمْعُ بين هذه الأقوَالِ والرِّواياتِ المختلِفَةِ بأنَّه نهْرٌ له حوْضٌ، ويجتمِعُ النَّاجون الفائِزون على حوْضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيَشرَبون منه خارجَ الجنَّةِ، والنَّهرُ يَجرِي في الجنَّةِ، ويشرَبُ منه مَن دخَلَها بفضْلِ اللهِ ورحْمتِه.