مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1293
حدثنا يونس، وسريج، قالا: حدثنا حماد يعني ابن زيد، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: " ما هذا؟ " قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب، فقال: " بارك الله لك أولم ولو بشاة "
حَثَّ الشَّرعُ الإسلاميُّ المطهَّرُ المسلِمَ على التَّعفُّفِ والعمَلِ وعدَمِ التَّسوُّلِ، أو الاعتمادِ على الصَّدَقاتِ؛ لأنَّ المسلِمَ يَنْبغي له أنْ يَحفَظَ كَرامتَه وهَيبتَه، ولا يُرِيقَ ماءَ وَجْهِه للنَّاسِ.
وفي هذا الحديثِ ان لَمَّا هاجَرَ إلى المدينةِ آخَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنه وبيْن سَعدِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ الخَزْرجيِّ أحَدِ النُّقباءِ في بَيعةِ العَقَبةِ، والمُؤاخاةُ: هي أنْ يَتعاقَدَ الرَّجلانِ على التَّناصُرِ والمُواساةِ حتَّى يَصِيرَا كالأخَوَين نَسَبًا، فعَرَضَ عليه سَعدٌ نِصفَ مالِه وأنْ يَختارَ إحْدى زَوجاتِه، فيُطلِّقها، وبعْدَ انقضاءِ عِدَّتِها يَتزوَّجُها عبْدُ الرَّحمنِ، فرَفَضَ عبدُ الرَّحمنِ ذلك، وقال: لا حاجةَ لي في ذلِك، ثُمَّ سَألَ سَعْدًا عن مَوضعِ السُّوقِ الَّتي في المدينةِ للتِّجارةِ، فدَلَّه على سُوقِ بَني قَيْنُقاعٍ -مِن قَبائلِ اليَهودِ الذين كانوا في المَدينةِ-، فصارَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رَضيَ اللهُ عنه يَتردَّدُ علَيها؛ لِيُتاجِرَ في السَّمنِ والأَقِطِ، وهو اللَّبنُ المُجَفَّفُ، واستَمرَّ على ذلك حتَّى كسَبَ مالًا، ثمَّ أتى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَلَيه أثَرُ صُفْرةِ الطِّيبِ الَّذي تَطيَّبَ به، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هل تَزوَّجتَ؟ فقال: نَعَم، قال: ومَن؟ قال: امرأةً مِن الأنصارِ، وهي بِنتُ أَنَسِ بنِ رافِعٍ مِن بَني عَبدِ الأَشْهَلِ. فسَألَه: كَم دَفَعتَ لها مِن الصَّداقِ؟ فأجابَه بأنه دَفَعَ لها زِنةَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ، وهي وَزنُ ثَلاثةِ دَراهِمَ وثُلثٍ، فأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَمَل وَليمةٍ ولو بِشاةٍ، والوليمةُ: هي الطَّعامُ الَّذي يُصنَعُ في العُرسِ، والوَليمةُ بالشَّاةِ أو أكبَرَ منها لِمَن قَدَرَ عليها، فمَن لم يَقدِرْ فلا حَرَجَ عليه؛ فقد أوْلَمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسَّويقِ -وهو ما يُعمَلُ مِنَ الحِنطةِ والشَّعيرِ- والتَّمرِ على بَعضِ نِسائِه.
قيلَ: كان لِلمُؤاخاةِ بَينَ المُهاجِرينَ والأنصارِ سَبَبانِ: أحَدُهما: أنَّه أجراهم على ما كانوا ألِفوا في الجاهِليَّةِ مِنَ الحِلْفِ؛ فإنَّهم كانوا يَتوارَثونَ به، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا حِلْفَ في الإسلامِ»، وأثبَتَ المُؤاخاةَ؛ لِأنَّ الإنسانَ إذا فُطِمَ عمَّا يألَفُه يَخنَسُ.
والثَّاني: أنَّ المُهاجِرينَ قَدِموا مُحتاجينَ إلى المالِ وإلى المَنزِلِ، فنَزَلوا على الأنصارِ، فأكَّدَ هذه المُخالَطةَ بالمُؤاخاةِ، ولم تَكُنْ بَعدَ بَدرٍ مُؤاخاةٌ؛ لِأنَّه استُغنيَ بالغَنائِمِ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ البَيعِ، وأنَّه مِن أشرَفِ الوَسائِلِ لِكَسبِ المالِ الحَلالِ.
وفيه: ما كانَ عليه المُهاجِرونَ والأنصارُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مَودَّةٍ ومَحبَّةٍ وإيثارٍ بالمالِ وغيرِه.
وفيه: الأمرُ بالوَليمةِ للعُرسِ.
وفيه: التَّطيُّبُ للرَّجُل إذا كانَ عَروسًا.