مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1302
مسند احمد
حدثنا يونس، ومؤمل، قالا: حدثنا حماد يعني ابن زيد، حدثنا سلم العلوي، حدثنا أنس بن مالك قال: لما نزلت آية الحجاب، ذهبت أدخل كما كنت أدخل، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " وراءك يا بني "
خصَّ اللهُ سُبحانَه وتعالَى نبيَّه محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمزيدٍ مِنَ العِنايةِ، والتي منها فرْضُ توقِيرِه وتَعظِيمِه عَلى المسلمِينَ، وكذلك توقيرُ أهْلِه؛ فلا يدخلُ أحَدٌ بيتَه إلَّا بإذنِه ولا يمكُثُ فيه جلوسًا مُطوَّلًا يُشعِرُه بالحَرَجِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "لَمَّا نَزَلَت آيةُ الحِجابِ"، والمقصودُ بها هنا قولُ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ وَلَكِنْ إذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، وقولُه: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}، أي: مِن وَراءِ سِترٍ بيْنكم وبيْنهنَّ، ولا تَدْخُلوا عليهنَّ بُيوتَهنَّ، وكان ذلك وقْتَ أنْ بَنَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بزَينبَ بِنتِ جَحْشٍ رضِيَ اللهُ عنها.
وكان أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه خادمًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان يَدخُلُ على نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قبْلَ نُزولِ هذه الآيةِ؛ فجاءتْ آيةُ الحجابِ توجيهًا من اللهِ تعالى لأصحابِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما يُناسِبُ قدْرَ نبيِّه وقدْرَ أمَّهاتِ المؤمنين، ألَّا يَدخُلَ عليهنَّ أحدٌ ليس بمَحْرَمٍ دون حِجابٍ وسِترٍ، ومُنِعَ أنسٌ مع كونِه -حينئذٍ- صغيرًا مميِّزًا وخادِمًا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ تعظيمًا لهذا الحُكمِ ليكونَ في حقِّ مَن هو أكبرُ منه مِن رِجالِ الصحابةِ رضوانُ الله عليهم أوجبَ وأوكدَ، قال أنسٌ رضِيَ الله عنه: "ذَهبْتُ أدْخُلُ كما كنْتُ أدْخُلُ" إلى حُجراتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فقال لي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وَراءَكَ يا بُنَيَّ"، أي: ارْجِعْ إلى الوراءِ ولا تَدخُلْ، فكان هذا وَقتَ فُرْضِ الحِجابِ على نِساءِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فدَخَلَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَرْخَى الحِجابَ والسِّتارَ والسِّترَ على زَوجاتِه، ومَنَع أنسًا مِن الدُّخولِ، ونَزَلَتْ آيةُ الحِجابِ والإذنِ قَبلِ الدُّخولِ إلى بُيُوتِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديث: تعظيمُ نِساءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وألَّا يَبتذلَهُنَّ أحدٌ صغيرًا كان أو كبيرًا.