‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه149

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه149

قرئ على سفيان، سمعت ابن جدعان، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة " (1)

أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أفضَلُ البَشرِ بعْدَ الأنبياءِ والمُرسَلين؛ لِثَباتِهم مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ونُصرةِ دَعوتِه ودِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفي هذا الحديثِ يُثْني النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن واحِدٍ مِن كِبارِ الصَّحابَةِ بهذه الصِّفَةِ، فيقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "صَوتُ أبي طَلْحةَ في الجَيشِ" وأبو طَلحَةَ هو زَيدُ بنُ سَهلٍ الأنصاريُّ الخَزْرَجيُّ، شَهِدَ المَشاهِدَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتُوفِّي سَنةَ اثْنتينِ، وقيل: أربعٍ وثلاثينَ مِن الهِجْرةِ، والمُرادُ بصَوتِه في الجَيشِ: حُضورُه المُطلَقُ لِلمَعرَكَةِ، وربَّما يُرادُ به: تَوجيهاتُه التي يُرشِدُ إليها، ويَحتمِلُ: أنْ يُرادَ به الصَّوتُ مُطلَقًا، وهو ما يُصدِرُه أثْناءَ القِتالِ، وإنَّما قيَّدَ صَوتَه في الجَيشِ؛ لأنَّ الصَّوتَ الجَهْوريَّ في غَيرِ الجَيشِ مَذْمومٌ، أو لأنَّ هذه الفَضيلَةَ تَختَصُّ به فيه، "خَيرٌ مِن فِئةٍ"، وفي رِوايةِ الحاكِمِ: "خَيرٌ مِن أَلْفِ رَجُلٍ"، أي: أشَدُّ على المُشرِكينَ مِن أَلْفِ رَجُلٍ؛ لِمَا فيه مِن إنْزالِ الرُّعْبِ بالعَدُوِّ، وكان رضِيَ اللهُ عنه رامِيًا مِقْدامًا. قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان يَجْثُو بيْن يَدَيْه في الحرْبِ"، أي: كان أبو طَلْحةَ يَبرُكُ ويَجلِسُ أمامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الحرْبِ، "ثمَّ يَنثِرُ كِنانَتَه"، يعني: يَفرِشُ كِيسَ سِهامِه؛ لِيَرْمِيَ بها الأعداءَ، "ويقولُ: وَجْهِي لِوَجْهِك الوِقاءُ، ونَفْسي لِنَفْسِكَ الفِداءُ"، أي: وَجْهِي حِمايةٌ لِوَجْهِك يا رسولَ اللهِ، ورُوحي فِداءٌ لِرُوحِكَ، فأُصابُ وأَموتُ بَدلًا منك، وقدْ نَزَعَ بأسْنانِه حَلقَةَ التُّرْسِ مِن وَجْهِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التي أُصِيبَ بها في غَزوَةِ أُحُدٍ حتى خُلِعَت، وَوَقَى النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِيَدِهِ يَومئِذٍ فَشُلَّتْ؛ فِداءً لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: مَنْقبَةٌ ظاهرةٌ لِأبي طَلْحَةَ الأنصاريِّ رضِيَ اللهُ عنه.
وفيه: الحَثُّ على الشَّجاعَةِ والإقْدامِ في الحُروبِ.