مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1663
مسند احمد
حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا خالد بن عبد الله، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستحمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنا حاملوك على ولد ناقة "، قال: يا رسول الله ما أصنع بولد ناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وهل تلد الإبل إلا النوق "
الدِّينُ الإسلاميُّ دينُ يُسرٍ وسَماحةٍ ورَحمةٍ؛ فقد راعى جَميعَ حاجاتِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ، ومِن ذلك اللَّهوُ والمَرَحُ المُباحُ؛ فالنَّفسُ تَحتاجُ إلى التَّرويحِ بَعدَ الجِدِّ والنَّشاطِ والعِبادةِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُمازِحُ أصحابَه ويُداعِبُهم، ومِن ذلك أنَّ رَجُلًا أتى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستَحمَلَه، أي: طَلَبَ الرَّجُلُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعطيَه دابَّةً يَركَبُها، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرَّجُلِ: إنَّا حامِلوك على وَلَدِ ناقةٍ! أي: سَوف نَحمِلُك على ابنِ النَّاقةِ، فقال الرَّجُلُ: يا رَسولَ اللهِ، ما أصنَعُ بولَدِ ناقةٍ؟! أي: تَوهَّمَ أنَّ الولَدَ لا يُطلَقُ إلَّا على الصَّغيرِ، وهو غَيرُ قابِلٍ للرُّكوبِ، ففَهِمَ مِنَ الولَدِ أنَّه الصَّغيرُ القَريبُ العَهدِ بالوِلادةِ؛ فإنَّه لا يَحمِلُ شَيئًا، فلَمَّا كان المُتَعارَفُ عِندَ العامَّةِ في بادِئِ الرَّأيِ استِعمالُ وَلَدِ النَّاقةِ فيما كان صَغيرًا لا يَصلُحُ للرُّكوبِ، وإنَّما يُقالُ للصَّالِحِ: الإبِلُ، لم يَفهَمِ الرَّجُلُ المَعنى. فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وهَل تَلِدُ الإبِلَ إلَّا النُّوقُ؟! جَمعُ ناقةٍ، وهيَ أنثى الإبِلِ، أي: لا تَلِدُ الإبِلَ العِظامَ إلَّا النُّوقُ، تكونُ صِغارًا ثُمَّ تكبَرُ، وتَستَحِقُّ الحَملَ، وأرادَ به مُمازَحةَ الرَّجُلِ، فالإبِلُ ولو كِبارًا هي أولادُ النَّاقةِ، فيَصدُقُ وَلَدُ النَّاقةِ على الكَبيرِ والصَّغيرِ، والمَعنى: أنَّك لو تَدَبَّرتَ لم تَقُلْ ذلك؛ ففيه الإشارةُ إلى أنَّه يَنبَغي لمَن سَمِعَ قَولًا أن يَتَأَمَّلَه ولا يُبادِرَ إلى رَدِّه.
وفي الحَديثِ بَيانُ صورةٍ مِن مُزاحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ أصحابِه.
وفيه مَشروعيَّةُ المُزاحِ.
.