‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه410

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه410

حدثنا بهز، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة، فربما قال: " هل رأى أحد منكم رؤيا؟ " فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه، فإن كان ليس به بأس، كان أعجب لرؤياه إليه، قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله، رأيت كأني دخلت الجنة، فسمعت بها وجبة، ارتجت (1) لها الجنة، فنظرت، فإذا قد جيء بفلان بن فلان، وفلان بن فلان، حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك، قالت: فجيء بهم عليهم ثياب طلس، تشخب أوداجهم قالت: فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيذخ (2) ، - أو قال: إلى نهر البيدح - قال: فغمسوا فيه، فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر. قالت: ثم أتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها، وأتي بصحفة - أو كلمة نحوها - فيها بسرة، فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق، إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم. قال: فجاء البشير من تلك السرية فقال: يا رسول الله، كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان، حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي بالمرأة " فجاءت، قال: " قصي على هذا رؤياك " فقصت، قال: هو كما قالت لرسول الله، (1)

الرُّؤيا جُزءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، وأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لَم يَبقَ مِنَ النُّبوَّةِ إلَّا المُبَشِّراتُ، وهيَ الرُّؤيا الصَّالحةُ.

 وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تُعجِبُه الرُّؤيا الحَسَنةُ، أي: يُحِبُّ الرُّؤيا الحَسَنةَ الصَّالحةَ، وكان يَسألُ أصحابَه: هَل رَأى أحَدٌ مِنكُم رُؤيا؟ أي: حَتَّى يَنظُرَ فيها ويَعبُرَها لَهم، فإذا رَأى الرَّجُلُ رُؤيا سَألَ عنه، أي: سَألَ عنِ الرَّجُلِ، فإن كان ليس به بَأسٌ، أي: إذا كان الرَّجُلُ الذي رَأى الرُّؤيا صالحًا، كان أعجَبَ لرُؤياه إليه، أي: يَصيرُ الرَّجُلُ أحَبَّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأجلِ رُؤياه. فجاءَتِ امرَأةٌ فقالت: يا رَسولَ اللهِ، رَأيتُ كَأنِّي دَخَلتُ الجَنَّةَ، فسَمِعتُ بها وَجبةً، أي: سَقطةً، وقيلَ: صَوتُ السُّقوطِ، ارتَجَّت لَها الجَنَّةُ، أي: اضطَرَبَت لها الجَنَّةُ، فنَظَرتُ فإذا قد جيءَ بفُلانٍ وفُلانِ بنِ فُلانٍ، حَتَّى عَدَّتِ اثنَي عَشَرَ رَجُلًا، أي: مِنَ الصَّحابةِ مِمَّن كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد بَعَثَهم في سَرِيَّةٍ قَبلَ ذلك، أي: قَبلَ هذه الرُّؤيا. والسَّريَّةُ: طائِفةٌ مِنَ الجَيشِ يَبلُغُ أقصاها أربَعَمِائةِ شَخصٍ، تُبعَثُ إلى العَدوِّ. قالتِ المَرأةُ: فجيءَ بهم، أي: بهؤلاء الرِّجالِ الذينَ خَرَجوا في السَّريَّةِ، عليهم ثيابٌ طُلسٌ. جَمعُ أطلَسَ، والطِّلسةُ: هيَ الغَبَرةُ إلى السَّوادِ، والأطلَسُ الأسوَدُ والوَسِخُ، تَشخَبُ، أي: تَسيلُ أوداجُهم، أي: عُروقُهم. فقيلَ لَهم: اذهَبوا إلى نَهرِ السَّدخِ -أو قال: إلى نَهرِ البَيدَحِ- وهذا شَكٌّ مِنَ الرَّاوي، هَل قال السَّدخِ أوِ البَيدَح، والمَقصودُ به الفضاءُ الواسِعُ، أوِ المُتَّسَعُ مِنَ الأرضِ، أوِ اللَّيِّنةُ الواسِعةُ، فغُمِسوا فيه، أي: أُدخِلوا فيه، فخَرَجوا مِنه ووُجوهُهم كالقَمَرِ لَيلةَ البَدرِ! أي: مُضيئةٌ، ثُمَّ أُتُوا بكَراسيَّ مِن ذَهَبٍ فقَعَدوا عليها، وأُتِي بصَحفةٍ -وهيَ إناءٌ كالقَصعةِ المَبسوطةِ- أو كَلِمةٍ نَحوِها، فيها بُسرةٌ، وهو التَّمرُ قَبلَ إرطابِه، فأكَلوا مِنها، فما يَقَلِبونَها لشِقٍّ، أي: ما يَقلِبونَ البُسرَ للجِهةِ الأُخرى إلَّا أكَلوا مِن فاكِهةٍ ما أرادوا، وأكَلتُ مَعَهم، أي: المَرأةُ. فجاءَ البَشيرُ وهو الذي يُبَشِّرُ بالأخبارِ مِن تلك السَّرِيَّةِ. فقال: يا رَسولَ اللهِ، كان مِن أمرِنا كَذا وكَذا، أي: في السَّرِيَّةِ، وأُصيبَ فُلانٌ وفُلانٌ، أي: قُتِلوا، حَتَّى عَدَّ الاثنَي عَشَرَ الذينَ عَدَّتهمُ المَرأةُ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عليَّ بالمَرأةِ، أي: أحضِروا هذه المَرأةَ، فجاءَتِ المَرأةُ، فقال لَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُصِّي على هذا رُؤياك، أي: قُصِّي على هذا البَشيرِ الرُّؤيا التي رَأيتِها، فقَصَّت عليه الرُّؤيا. قال البَشيرُ: هو كما قالت لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: أنَّه تَحَقَّقَت رُؤياها في أصحابِ السَّرِيَّةِ.
وفي الحَديثِ حُبُّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للرُّؤيا الحَسَنةِ.
وفيه مَشروعيَّةُ السُّؤالِ عنِ الرُّؤيا الحَسَنةِ.
وفيه أنَّ الرُّؤيا الحَسَنةَ إذا كانت مِن شَخصٍ صالحٍ كانت أفضَلَ وأكمَلَ.
وفيه رُؤيا المَرأةِ الصَّالحةِ في مَنامِها وظُهورُ ما يَدُلُّ على صِدقِها في رُؤياها.