مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه722
مسند احمد
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا سعيد، أملى (1) عن قتادة، عن أنس بن مالك، " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء، فأتي بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه، أو قدر ما يري أصابعه (2) فأمر أصحابه أن يتوضئوا، فوضع كفه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، وأطراف أصابعه، حتى توضأ القوم "، قال: فقلنا لأنس: كم كنتم؟ قال: " كنا ثلاث مائة "
أيَّدَ اللهُ سُبحانَه نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمُعجِزاتِ الماديَّةِ والمَعنويَّةِ؛ ليُثَبِّتَ قُلوبَ الذين آمَنوا بما يقَعُ أمامَ أعيُنِهم، ومنها ما في هذا الحَديثِ، وفيه يقولُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "حضَرَتِ الصلاةُ"، ودخَلَ وَقتُها بالأذانِ، "فقامَ مَن كان قَريبَ الدَّارِ إلى أهلِه"، أي: فذهَبَ مَن كانتْ دِيارُهم قَريبةً مِن المَسجِدِ ليَتوضَّأَ في دارِهِ "فتَوضَّأَ، وبَقيَ قومٌ" لم يَذهَبوا للوُضوءِ، "فأُتيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِخضَبٍ من حِجارةٍ"، وهو إناءٌ صَغيرٌ مَصنوعٌ من الحِجارةِ، "فيه ماءٌ، فصَغُرَ المِخضَبُ عن أنْ يَملأَ فيه كفَّه"، لم يَتَّسِعِ الإناءُ لصِغَرِه أنْ يُدخِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كفَّه فيه ليَأخُذَ منه الماءَ، "فضَمَّ أصابِعَه فوَضَعَها في المِخضَبِ"، فأخَذَ الماءَ بأصابِعِه بأقلِّ قَدرٍ، "فتَوضَّأَ القَومُ كلُّهم جَميعًا" مِن هذا الإناءِ الصغيرِ، "فقُلْنا" لأنَسٍ، والقائلُ هنا هو حُمَيدُ بنُ أبي حُمَيدٍ الطَّويلُ، الراوي عن أنَسٍ: "كم كانوا؟ قال: ثَمانينَ رجُلًا"، فكَفاهم الماءُ القَليلُ في هذا الإناءِ الصَّغيرِ بقُدرةِ اللهِ سُبحانَه الذي وضَعَ فيه البَرَكةَ؛ لمَكانةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإظهارًا لمُعجِزةٍ يَراها الناسُ المؤمِنونَ؛ لِيَزدادوا إيمانًا ويَقينًا.
وفي الحَديثِ: دَليلٌ على استِخدامِ الأواني مِن جواهِرِ الأرضِ ونَباتِها، وأنَّها طاهرةٌ ولا رَيبَ في استِعمالِها.
وفيه: أنَّ اللهَ سُبحانَه يُجري المُعجِزاتِ على أيدي الأنبياءِ؛ لِيُثبِّتَ الإيمانَ في القُلوبِ.