مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم 96
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي عمر، عن ابن عباس، قال: " كان ينقع للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب " قال: " فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يؤمر به فيسقى، أو يهراق "
لقد بيَّن الشَّرعُ المطهرُ للنَّاسِ الحلالَ والحرامَ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ، وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ عائشةُ رَضِي اللهُ عَنها عن انتِباذِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فتقولُ: "كُنَّا نَنبِذُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في سِقاءٍ"، أي: نَنقَعُ شيئًا مِن التَّمرِ أو الزَّبيبِ في إناءٍ، "فنَأخُذُ قَبضَةً مِن تَمرٍ، أو قَبضةً مِن زَبيبٍ فنَطرَحُها فيه"، أي: فنَضَعُها ونَترُكُها في الإناءِ، "ثمَّ نَصُبُّ عليه الماءَ"، وكان ذلك لِتَحْليَةِ الماءِ؛ لأنَّ ماءَ المدينةِ كان مالِحًا بعضَ الشَّيءِ، "فنَنبِذُه غُدوَةً، فيَشرَبُه عَشيَّةً، ونَنبِذُه عشيَّةً، فيَشرَبُه غُدوةً"، أي: فنَنقَعُه في الصَّباحِ فيَشرَبُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في المساءِ، وما يُنقَعُ في المساءِ يَشرَبُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الصَّباحِ، ثمَّ يَغسِلُ الإناءَ في كلِّ مرَّةٍ، وقد قالَت عائشةُ عن ذلك في روايةٍ أخرى: "وكُنَّا نَغسِلُ السِّقاءَ غُدْوةً وعَشيَّةً مرَّتينِ في يومٍ"، وقال أبو مُعاويةَ أحَدُ رُواةِ الحديثِ في رِوايتِه: "نَهارًا، فيَشرَبُه ليلًا، أو ليلًا فيَشرَبُه نَهارًا"
وفي حديثٍ لابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما، قال: "كان يُنبَذُ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيَشرَبُه يومَه ذلك، والغَدَ، واليومَ الثَّالِثَ، فإنْ بَقِي منه شيءٌ أهْراقَه، أو أمَر به فأُهْرِيقَ"؛ فجعَل أقْصَى حدٍّ لبَقاءِ النَّبيذِ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ وذلك لأنَّ النبيذَ يشتدُّ ويتخمَّرُ، فيُلقَى ولا يُشرَب
وقد ورَد النَّهيُ عن أن يُجمَعَ بينَ نوعَينِ، فتتَخمَّرَ وتَصِلَ إلى حـدِّ الإسكارِ؛ قالمشروعُ هو شُربُ الطَّيِّبِ الَّذي لا يُسكِرُ، والمنهيُّ عنه من ذلِك هو كلُّ ما يُذهِبُ العَقلَ ويُسْكِرُه مِن كلِّ الأشرِبَةِ؛ ففي صحيحِ مسلِمٍ عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن شَرِب النَّبيذَ مِنكم فَلْيَشرَبْه زَبيبًا فَرْدًا، أو تَمرًا فردًا، أو بُسْرًا فردًا"، وقال أيضًا: "نهانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن نَخلِطَ بينَ الزَّبيبِ والتَّمرِ، وأن نَخلِطَ البُسْرَ والتَّمرَ"
وفي الحديثِ: مشروعيَّةُ الانتباذِ وشُربِه ما لم يَصِلْ إلى حدِّ الإسكارِ