‌‌حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه 2

‌‌حديث عبد الرحمن بن أبي بكر  رضي الله عنه 2

حدثنا عارم، حدثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، أنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هل مع أحد منكم طعام "؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أبيعا أم عطية؟ - أو قال أم هدية؟ " قال: لا، بل بيع. فاشترى منه شاة فصنعت. وأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى، قال: وايم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حز رسول الله صلى الله عليه وسلم حزة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاها إياه، وإن كان غائبا خبأ له. قال: وجعل منها قصعتين، قال: فأكلنا أجمعون وشبعنا، وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير - أو كما قال

أيَّدَ اللهُ سُبحانه وتَعالى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمعجِزاتِ، وأجْرى على يدَيْه البَرَكةَ، ومِن ذلك أنْ كثَّرَ الطَّعامَ القليلَ بيْن يَدَيه حتَّى أكَلَ منه الجَمُّ الغَفيرُ ببَرَكتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.


وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّهم كانوا ثَلاثينَ ومِئةَ رجُلٍ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «هلْ مع أحدٍ منكم طَعامٌ؟» فجاءَ رجلٌ بصاعٍ مِن طَعامٍ أو نحْوِ صاعٍ، فَعُجِنَ، «ثُمَّ جاءَ رجلٌ مُشرِكٌ مُشْعانٌّ طَويلٌ»، يعني: شَعْرُه طَويلٌ ومُتفرِّقُ غيرُ مُسرَّحٍ، وكان معه غنَمٌ يَسوقُها، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «بَيْعًا أَمْ عَطيَّةً؟» يعني: هلْ تَبيعُ لنا الغنَمَ أمْ تُهْديها لنا؟ فقال الرَّجلُ المشرِكُ: «بلْ بَيعٌ»، فاشْتَرى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه شاةً، فَطُبِختْ، وأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِسَوادِ البطنِ أنْ يُشْوى، وهو الكبِدُ ونحوُه. فيُقْسِمُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما باللهِ، ما مِن أحدٍ في الثَّلاثينَ ومئةٍ الَّذين كانوا حاضِرينَ إلَّا حَزَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ له مِن سَوادِ البطْنِ،

يعني: قطَعَ له قِطعةً مِنَ الكبِدِ، فإنْ كان حاضرًا أعْطاها له، وإنْ كان غائبًا حَفِظَها له، وأمَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُجعَلَ ذلك الطَّعامُ في قَصعتَينِ، والقَصعةُ الإناءُ الكبيرُ مِن الخشَبِ، فأكَلَ منها جَميعُ الحاضرِينَ حتَّى شَبِعوا، وحُمِلَ المُتبقِّي منه على البَعيرِ؛ مُعجِزةً له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.


وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ البَيعِ مِن المشرِكين وقَبولِ الهديَّةِ منهم.
وفيه: المواساةُ بالطَّعامِ عندَ الضَّرورةِ.
وفيه: القسَمُ لتَأكيدِ الخبَرِ، وإنْ كان المخبِرُ صادقًا.
وفيه: مَشروعيَّةُ شِراءِ الأشياءِ مِن الشَّخصِ المجهولِ الذي لا يُعرَفُ، حتَّى يُطَّلَعَ على ما يَلزَمُ التَّورُّعُ عنه، أو يُوجِبُ تَرْكَ مُبايَعتِه؛ مِن غَصْبٍ، أو سَرِقةٍ، أو شِبْهِهما.