مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه743
مسند احمد
حدثنا حجاج، أخبرنا شعبة، وهاشم، قال: حدثنا شعبة، عن عتاب، وقال هاشم مولى بني هرمز، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: لولا أن أخشى أن أخطئ لحدثتكم بأشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، (2) لكنه قال: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " قال هاشم: قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكَذِبُ عاقبتُه وخيمةٌ، وعاقبةُ الكَذبِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أشدُّ مِن عاقبةِ الكذبِ على غيرِه؛ لِمَا يَترتَّبُ على ذلِك مِن مفاسدَ في الدِّينِ والدُّنيا.
وفي هذا الحَديثِ ان النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «إنَّ كَذِبًا علَيَّ ليس كَكَذِبٍ على أحَدٍ»، أي: إنَّ الكَذِبَ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس بمِثْلِ الكَذبِ على أحدٍ؛ لأنَّ كلامَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَشريعٌ، وكلامَ غَيرِه ليس كذلك؛ فالكذِبُ عليه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعظَمُ مَضَرَّةً، وأوقَعُ فَسادًا في نُفوسِ المُسلِمينَ، وهو أشدُّ في الإثمِ مِنَ الكذِبِ على غيرِه.
ثمَّ بَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عاقِبةَ الكذِبِ العمدِ عليه، وهي أنَّ لِلْكاذِبِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الآخرةِ مجلِسًا في النَّارِ؛ جزاءً له على كَذِبِه عليه. وذلك لا يُحْمَلُ على الخُلودِ في النَّارِ إلَّا لِمَن استحَلَّ ذلك؛ لأنَّ الموحِّدَ يُجازَى على عمَلِه، أو يُعْفَى عنه، وإنْ أُدخِلَ النَّارَ فإنَّه لا يُخَلَّدُ فيها، بل يُعَذَّبُ على قَدْرِ عمَلِه، ثمَّ يُدخِلُه اللهُ الجنَّةَ برَحمتِه.
وقد قدَّمَ الرَّاوي حديثَ الكذِبِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَوْطِئةً وتمهيدًا لِمَا سيَسوقُه في أمْرِ النِّياحةِ، وأنَّه صادِقٌ فيما سَمِعه؛ لأنَّه يَعلَمُ عُقوبةَ الكذِبِ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: وقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَنْ نِيحَ عليه» فكان البُكاءُ عليه بعْدَ مَوتِه بصَوتٍ ونَدْبٍ وتعديدٍ من أهلِه على فَقْدِهِم له، كان جزاؤُه أنْ يُعذَّبَ بذلك وبسببِه في قبرِه، أو في الآخرةِ، وقد ورَد عندَ البُخاريِّ روايةٌ أخرى فيها مِثلُ ذلك عن ابنِ عُمَرَ وغَيرِه، واعترضَتْ عليه عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها، وقالَتْ: «حَسْبُكُمُ القُرآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]».
وقيل: إنَّ العذابَ محمولٌ على ما إذا أَوصى المَيتُ بالنِّياحةِ عليه كما كانت عادتُهم في الجاهليَّةِ، أو لم يُوصِ بالنَّهيِ عن ذلك مع عِلْمِه أنَّ أهْلَه يَفعلونَه.
وذهَب بعضُ العُلماءِ إلى أنَّ العذابَ المقصودَ في الحديثِ هو الألَمُ، أي: إنَّ المَيتَ لَيتألَّمُ ببُكاءِ أهلِه عليه وما يَقعُ مِنهم.
وفي الحديثِ: النَّهيُ والتَّحذيرُ الشَّديدُ مِن الكَذِبِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والوعيدُ الشديدُ على ذلِك.
وفيه: النَّهْيُ عن النِّياحةِ على المَيتِ.