حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، وحجاج، قال: حدثني شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه - أو لجاره - ما يحب لنفسه " ولم يشك حجاج (1)
يُبيِّنُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في هذا الحديثِ الجليلِ -الذي قِيلَ فيه: إنَّه رُبُعُ الإسلامِ، ومِن أحاديثَ أربعةٍ تَتفرَّعَ عنها جِماعُ آدابِ الخيرِ- أنَّه لا يَتحقَّقُ الإيمانُ الكامِل لأحدٍ مِن المُسلِمينَ -والنفيُ هنا لا يُقصَدُ به نفْيُ أصلِ الإيمانِ، وإنَّما نفْيُ الكَمالِ- حتَّى يُحِبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفْسِه مِن الطَّاعاتِ وأنواعِ الخَيراتِ في الدِّينِ والدُّنيا، ويَكرَهَ له ما يَكرَهُ لنفْسِه، فإنْ رَأى في أخيه المسلِمِ نَقْصًا في دِينِه، اجتهَدَ في إصلاحِه، وإنْ رأَى فيه خيرًا سدَّدَه وأعانَه على الثباتِ عليه والزِّيادةِ منه؛ فلا يكونُ المؤمنُ مُؤمنًا حقًّا حتَّى يَرضَى للنَّاسِ ما يَرضاهُ لنفْسِه، وهذا إنَّما يَأتي مِن كَمالِ سَلامةِ الصَّدرِ مِن الغِلِّ والغِشِّ والحسَدِ؛ فإنَّ الحسَدَ يَقتضي أنْ يَكرَهَ الحاسدُ أن يَفُوقَه أحدٌ في خَيرٍ، أو يُساويَه فيه؛ لأنَّه يُحِبُّ أنْ يَمتازَ على النَّاسِ بفَضائلِه، ويَنفرِدَ بها عنْهم، والإيمانُ يَقْتضي خِلافَ ذلك، وهو أنْ يَشرَكَه المؤمنون كلُّهم فيما أعطاهُ اللهُ مِن الخَيرِ.